لا تنفصل خطوة إنشاء الحكومة الموريتانية مؤسسة رسمية للتعليم الديني العالي، تُدعى "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، عن إغلاق "مركز تكوين العلماء" في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي لاقى رفضاً من قبل عدد من الموريتانيين في حينها. ويتفق بعض المراقبين على أن تأسيس "المحظرة الشنقيطية" هو محاولة من الحكومة للتغطية على إغلاق "مركز تكوين العلماء" الذي يرأسه العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ويرجحون أن يكون ذلك حصل بإيعاز من السعودية والإمارات بما أن "مركز تكوين العلماء" محسوب على جماعة "الإخوان المسلمين" في موريتانيا، وقد ظلّ طويلاً بمثابة المؤسسة الدينية الوحيدة لتكوين العلماء وتخريجهم، من دون أن تعترض الجهات الرسمية على مناهجه، أو طريقة إدارته.
وفي السياق، رأى الباحث المختار ولد نافع، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ خطوة إنشاء "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، التي أعلنت الحكومة عن تأسيسها يوم الخميس الماضي، جاءت بهدف التغطية على قرار إغلاق "مركز تكوين العلماء"، "وقد تكون لمحاولة تقديم بديل عنه مرتبط بالإمارات والسعودية، إذ أجرى وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد أهل داود، مباحثات عدة مع سفيري السعودية والإمارات في نواكشوط خلال الأشهر التي تلت إغلاق المركز". وقال ولد نافع إنه "لا دليل بعد على أن المحظرة الشنقيطية ستكون نسخة موريتانية لنموذج إماراتي من تخريج رجال الدين"، لكنه اعتبر أن اختيار مدينة أكجوجت، في ولاية إينشيري، خارج العاصمة نواكشوط، لاحتضان هذه المؤسسة الدينية الجديدة، يدل على أن حجم التعويل الإماراتي عليها "عادي".
والغريب في الموضوع أنّ إصدار مرسوم تنظيم وسير مؤسسة للتعليم العالي، وهي "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، تلا إقامة مركز حكومي باسم "المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن هذا المركز لم يبصر النور لأسباب غير معروفة.
من جهته، رأى الباحث محمد الحافظ ولد الغابد، أنّ فكرة إنشاء "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، تهدف بالأساس "للالتفاف على الضغط الكبير الذي أحدثه أساتذة وطلاب مركز تكوين العلماء الذي تمّ إغلاقه من دون مبرر". واعتبر ولد الغابد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إغلاق "مركز تكوين العلماء"، ربما بتوجيه من جهات خارجية (السعودية والإمارات)، "جعل منه مسألة رأي عام، وقضية حريات وحقوق"، موضحاً أنّ النظام الموريتاني ربما يسعى من خلال إنشاء هذه المؤسسة الدينية الجديدة "لإظهار عدم تراجعه عن دعم الحيز الديني، مع إرضاء شركائه في السعودية والإمارات الذين يريدون فقط إغلاق مركز تكوين العلماء (كونه كان محسوباً على الإخوان المسلمين) ولا تهمهم طبيعة المؤسسة البديلة له".
وأكد ولد الغابد أنّ إنشاء الحكومة الموريتانية لـ"المحظرة الشنقيطية الكبرى"، له بعد "استراتيجي"، يهدف إلى استيعاب المؤسسة لخريجي "المحاظر" (المدارس الدينية) وتوظيفهم، حتى يكونوا تابعين للنهج الرسمي فقط، وكي لا تكون لهم آراء مستقلة.
بدوره، وضع المتحدث الرسمي باسم "مركز تكوين العلماء"، إبراهيم بن أعمر كلي، إنشاء "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، في خانة التعويض عن ما وصفه بـ"فشل المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء، التي لم يتفاعل المجتمع معها، وظلّت مكاتبها خالية". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "نحن نثمّن أيّ مسعى لإنشاء مؤسسة أكاديمية تعنى بتعليم الناس، لكن المشكلة هي أنّ المحافظة على الموجود أولى من طلب المفقود، وإن مركزاً رائداً قائماً بمبانيه ومناهجه وإدارته وطلابه وأساتذته ومخرجاته، ظاهرة جلية، وفوائده عظيمة، يغلق هكذا بجرّة قلم من دون أي سبب، ومن دون أي جرم، ولا يقدم مبرر مقنع لذلك، ويترك موظفوه وأساتذته وطلابه للشارع، ويترك مستقبلهم للمجهول، فهذا هو الظلم بعينه".
وأشار ولد أعمر كلي إلى تقارير إعلامية تفيد بأنّ المؤسسة الحكومية الجديدة (المحظرة الشنقيطية الكبرى)، "ممولة من جهات خارجية"، وعلّق على ذلك بالقول إنّ "الذي نعلمه، سواء كانت الأيادي التي تحرّك هذه القضية خارجية أو داخلية، فهي لا تحب الخير لموريتانيا". وشدّد على أنّ التجربة تقول إنّ هذه المؤسسة الحكومية الجديدة "إذا سلكت الطريق الذي سلكته المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء، فستكون مضيعة للوقت".
وكانت الحكومة الموريتانية قد قامت بإغلاق "مركز تكوين العلماء" الذي تأسس عام 2007، وكان يرأسه الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وسحبت ترخيصه، بدعوى أنّ المركز الذي خرّج العشرات من العلماء، ويدرس به مئات الطلبة، "ينشر التطرّف والغلو". ووصف حينها نائب رئيس "مركز تكوين العلماء"، محفوظ ولد إبراهيم فال، تصرّف الحكومة تجاه المركز والقائمين عليه، بـ"الطائش والمتعسف"، وضدّ ما سماها "مؤسسة ترسّخ الوسطية والاعتدال".
العربي الجديد