لم يتمكن اتحاد المغرب العربي، بعد ثلاثين عاماً على تأسيسه من الوصول إلى نوع من الاندماج الاقتصادي، ما يكبده خسائر باهظة على مستوى النموّ وفرص العمل. وقرر قادة الدول الخمس (تونس، ليبيا، المغرب، الجزائر، موريتانيا)، تأسيس اتحاد إقليمي، في 17 فبراير/ شباط 1989، غير أن العلاقات الاقتصادية بين تلك البلدان لم تتقدم كثيراً، فيما يشتكي رجال الأعمال في المنطقة من غياب الإرادة السياسية، وعدم توحيد القوانين والأنظمة التي تسهل الاستثمار والتجارة بالمنطقة.
وقال الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش، أول من أمس، إن تعثر الاندماج يكبد المنطقة خسائر باهظة إلى أبعد الحدود، مشيراً إلى أن ذلك الاندماج سيتيح سنوياً خلق مئات الآلاف من فرص العمل للشباب والأجيال الصاعدة.
وأكد البكوش، في افتتاح أشغال مؤتمر يتناول ثلاثين عاماً من حياة الاتحاد المغاربي، بمدينة مراكش، أن المجتمع المدني يمكنه الضغط على صانعي القرار والحكومات بهدف التحرك لتحقيق هدف الاندماج.
ويرى رئيس منظمة العمل المغاربي إدريس الكريني، أن بثّ الروح في أبناء المغرب العربي قابل للتحقق، إذا ما جرى التركيز على تشبيك المصالح حول الاقتصاد، وطيّ صفحة الخلافات، وتبني مقاربات تشاركية.
ويلاحظ الباحث في مركز السياسات "OCP" رشيد حدايكة، في دراسة حديثة له، ضعف الجانب المؤسساتي والتشريعي في العلاقات بين تلك البلدان الخمسة بالاتحاد، حيث تم توقيع 36 اتفاقاً، لم تدخل حيز التنفيذ منها سوى 6 اتفاقات.
ويتجلى أن مجالس الوزراء واللجان الوزارية، التي تنعقد بين دول المغرب العربي، لا مفعول كبيراً لما تتوصل إليه من اتفاقات، ما دام ذلك يبقى رهيناً بقبولها من قبل المستويات السياسية العليا، حسب الدراسة.
ودفع تعثر اتحاد المغرب العربي، تونس إلى طلب الانضمام لمجموعة "كوميسا"، التي تضم 19 بلداً أفريقياً، بينما سعى المغرب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو).
ولم تغب الذكرى الثلاثون لاتحاد المغرب العربي، عن اهتمام صندوق النقد الدولي، الذي أصدر تقريراً أشار فيه إلى أن من شأن الاندماج أن يخلق سوقاً إقليمية من 100 مليون نسمة، ويزيد من جاذبية المنظمة كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر، ويخفض تكاليف حركة التجارة ورأس المال والعمالة عبر بلدانها.
وأكد الصندوق أنّ تعثر الاندماج له علاقة بالحواجز الجمركية وغيرها، والتوجه التقليدي للتجارة تجاه أوروبا، والانفتاح على أفريقيا جنوب الصحراء وصعود الصين كسوق لصادرات المغرب العربي، مشيراً إلى أن هذه العوامل ساهمت في تحويل التركيز على الاندماج الإقليمي.
وأشارت المؤسسة المالية الدولية، إلى أن الخلافات بين بلدان المغرب العربي، تساهم في إعاقة الاندماج، وخاصة التوتر بين المغرب والجزائر، غير أن التهديدات الإرهابية أفضت إلى تشديد الضوابط الحدودية، ناهيك عن إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر منذ 1994. ويساهم الجمود في العلاقات بين هذين البلدين، في تعطيل تحقيق مشروع اتحاد المغرب العربي، فلا تتعدى المبادلات التجارية بين بلدان تلك المنطقة 3 في المائة، بينما تصل إلى 10 في المائة بين دول غرب أفريقيا، و19 في المائة بين دول أفريقيا الجنوبية، حسب صندوق النقد.
وأشارت دراسة سابقة للبنك الدولي، إلى أن عدم سلوك سبيل الاندماج الاقتصادي بين بلدان المغرب المغربي، يكبدها خسائر تصل إلى 9 مليارات دولار.
ويشير المعهد الوطني للبحث الزراعي بفرنسا، إلى أن نسبة التبعية الغذائية للخارج في دول المغرب العربي تصل إلى 51 في المائة، إذ إن تلك البلدان تأتي في مقدمة مستوردي المنتجات الغذائية في العالم.
ومن جانبه، أكد الخبير بالقطاع الزراعي محمد الهاكش في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن بلدان المغرب العربي يمكن أن تحقق هدف السيادة الغذائية، في حال ركزت على تلبية الحاجات الأساسية من السكّر والقمح والزيت، عوض المراهنة على التصدير.
ويتصور الهاكش، أن السيادة الزراعية لا يمكن تحقيقها في المنطقة سوى عبر الزراعة الأسرية، التي تساعد على تأمين الحاجات الأساسية، عوض اللجوء إلى الاستيراد، الذي يساهم في تدهور العجز التجاري لبلدان المنطقة.
ويعتبر صندوق النقد الدولي، أنه في حالة إلغاء جميع التعريفات الجمركية المفروضة على التجارة الإقليمية، سيرتفع النموّ على المدى الطويل بنسبة 1 في المائة، وتزيد معدلات التوظيف 1.2 في المائة، وستنمو التجارة الإقليمية 33 في المائة.
ويتسبب الوضع الحالي، في تعطيل العديد من المشاريع المؤسسة لاتحاد المغرب العربي، مثل خط السكك الحديد، الذي كان موضوع اتفاق بين قادة دول المنطقة عام 1989، دون أن يرى النور إلى حدود الآن.
ويراد من مشروع القطار المغاربي، تحسين الربط بين الشبكات السككية للمغرب والجزائر وتونس، وخفض التكاليف والوقت وتسهيل التنقل بين هذه البلدان. ويتضمن المشروع تأهيل وتحديث 363 كلم من السكة الحديد الرابطة بين المغرب والجزائر و503 كلم من السكة الرابطة بين الجزائر وتونس.
العربي الجديد