مع دخول المجتمعات مرحلة الحداثة غَزَت مواقع التواصل الاجتماعي حياة كل فرد من أفراد المجتمع، وصار الحديث عن إلغائها أو وقف التفاعل معها ضرباً من ضروب الخيال. أصوات الناس، وأنينهم، وهمهماتهم أيضاً تجاوزت الأسوار والمسافات ولم تعد تخضع لقواعد الفيزياء، حتى أصبح الصدى يتردد عالياً في وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت للإنسانية فضاء رحباً. هكذا كانت البداية، تطور مستمر، وتسارع تكنولوجي وضع العالم بِجُله بين أيدينا، نرى تفاصيله ونعيش أحداثه، من خلال شاشاتنا الصغيرة التي أصبحت بمثابة "سجنٍ كبير".
ولأن مواقع التواصل الاجتماعي تعلب دوراً رئيساً في حياة الإنسان، كان لا بد أن تصبح سلاحاً ذو حدين يؤثر على الصغير والكبير. فتلك الوسائل، وفق أنظمتها، تسمح لكل من بلغ 13 عاماً بإنشاء حساب. ويشير الواقع إلى أن ثلاثة أرباع الأطفال بين سن الـ 10و 12 عاماً، لديهم حسابات، بحسب تقرير لمنظمة مفوضية الأطفال، والذي بحث خصيصاً تأثير هذه الوسائل على الأطفال.
يقول التقرير، أن معظم الأطفال يعتمدوا بشكل كبير على عدد الإعجابات والتعليقات للحصول على قبول اجتماعي. وقد تؤثر هذه الحالة بشكل سيء على مشاعرهم، عند بلوغهم سن المدرسة الثانوية حيث يتعلق الأمر آنذاك بالبحث عن هوية ذاتية.
الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي
يقول مصطفى سليم، صحفي وناقد مصري:" أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على الإعلام التقليدي بشكل كبير، كما أثرت أيضاً على كافة الجوانب، حتى أصبحت المجتمعات تعتبر أن وسائل التواصل هي التي تجلب الخبر الموثوق، وأصبحت الناس تتناقل الأخبار عبر هذه الوسائل دون التحقق من صِحتها ومصداقيتها".
ويضيف:" استفادت وسائل الإعلام التقليدية من وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أنشئت غالبية القنوات، والصحف والمجلات، والإذاعات المسموعة أيضاً صفحات خاصة لهم على تلك المواقع، وتهافتوا على سرعة نقل الخبر دون الالتفات لمدى صحته من عدمه، كما اعتمدت وكالات الأنباء العالمية مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي لجلب المعلومة وترويجها.
وفي عام 2012، وصل عدد مستخدمي موقع "فايسبوك" الدائمين إلى أكثر من بليون مستخدم، ما جعله في مقدمة وسائل التواصل الاجتماعي.
فبركة وصراعات سياسية
قديماً كانت للمشاهير هيبة وسمعة في أوساط المجتمع، حيث كانوا يشتهرون بالشجاعة أو الحكمة أو العلم، وكانت الأمم في تلك الفترة تُقاس و تفتخر بهم، ومع تطور الزمن أصبح بمقدور أي إنسان إيصال صوته ورأيه إلى جميع الناس بفضل التقنيات المتقدمة، حيث أصبح الكثير من الناس في هذه الأيام من "نجوم" العالم الافتراضي بفعل الصدفة فقط، والتي أعطتهم مكانةربما لا يستحقونها ومنحتهم صلاحيات عجيبة رغم أنهم لا يقدمون جديداً للمجتمع.
لكن أثر تلك المواقع اعتمد على وعي الشباب ومدى إدراكهم لطبيعة الصراع مع التكنولوجيا. ففي إحدى الجولات مثلاً انتصر النشطاء في موقع "تويتر" على المذيعة المصرية الشهيرة ريهام سعيد، بعد أن قدمت حلقة عرفت باسم "فتاة المول"، أثارت الكثير من الجدل والانتقاد، حيث قامت المذيعة بسرقة صور شخصية من هاتف إحدى ضيفاتها في البرنامج وهددت بنشرها، وواجهت في تلك الواقعة اتهامات بالفبركة وانتهاك الخصوصية وغيرها من الاتهامات التي تداولها النشطاء عبر هاشتاغ تصدر "تويتر" ليوم كامل بعنوان "#موتي_ياريهام".
واستجابت القناة التي تعرض البرنامج لضغوط "تويتر"، واعتذرت عن الحلقة وعلقت البرنامج، وقررت فتح تحقيق موسع بسبب الحلقة المثار بشأنها الجدل، ليتحول الهاشتاغ بعدها إلى "#ريهام_ماتت". ولم يتوقف نجاح النشطاء عند وقف المذيعة المعروفة باستضافتها للقضايا الشائكة، بل تم الضغط أيضاً على 15 شركة لسحب رعايتها للبرنامج. وبعد انسحاب الرعاة ونجاح رواد مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير عليهم، تأكدت قدرة الشباب على التفاعل مع القضايا المختلفة.
حرب "كلامية" بين المشاهير
وانتقلت فوبيا التواصل الاجتماعي إلى المشاهير أيضاً، وتخطت الحدود بتدخلهم في الصراعات السياسية، والأزمات المحلية والإقليمية، الأمر الذي أفقد الكثيرين منهم شعبيتهم. فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور مهم في حياتنا اليومية، وفي المقابل أصبح لزاماً علينا الانتباه جيداً لما ننشره عبر هذه المواقع، فكل شيء في العالم الافتراضي يترك أثراً ويبقى للأبد. وقد أصبحت لدى المؤسسات الأمنية أيضاً مصالح متخصصة لتعقب الجرائم، أو حتى الجنح التي يرتكبها البعض، عن طريق تعقب الـIP الخاص بالمستخدمين.
في يوليو (تموز) 2017، على سبيل المثال، اندلعت حرب كلامية بين الفنانين اللبنانيين والسوريين، بعد تصريحات الفنانة اللبنانية مايا دياب عبر صفحتها بموقع "تويتر"، والتي انتقدت خلالها اللاجئين السوريين قائلة، "بالحرب حطيناكن بقلبنا.. بس بالوقاحة رح تدوقو جزمة جندي بلادي.. الجيش اللبناني جيش بلادي.. أنا الجيش".
شبكى حياة اجتماعية