حالة من السخط سيطرت على غالبية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين دار بينهم جدل واسع، بعد انتشار فيديو لأطفال موريتانيين يتسولون في الطرقات، ليذهبوا بعدها إلى المعلمين الذين يتلقون منهم العلوم المختلفة، بخاصة القرآن الكريم، ويعطونهم من الأموال التي جمعوها من التسول. واللافت للنظر أن بعض المعلمين لا يقبلون أحياناً بما جمعه الأطفال، ويوبخونهم لعدم كفايته، ويطالبونهم بجمع المزيد.
مستخدم "فايسبوك" إسلام مهنى، يقول إن هناك فهماً خاطئاً لهذه الظاهرة التي تداولها النشطاء، فالتسوّل سببه الفقر، كما يحكي الأطفال الموريتانيين أنفسهم.. "إنهم يستهدفون توفير حاجاتهم من طعام ومسكن وغيره، ومن ضمن هذه الحاجات بالتأكيد، هو تلقي العلم"، مشيراً إلى أن "كون وجود بعض المعلمين الدجالين، الذين يجبرونهم على التسول، ويضربونهم، فهذا موقف سلبي، لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام".
مجانية
الصحافي الموريتاني فارس سنهوري، كتب عبر حسابه الشخصي في "فايسبوك"، إنه "في موريتانيا لا يمكن أن تقطع بضع كيلومترات دون أن تجد دروساً لتعلم القرآن، أكثر من 90 في المئة منها مجانية، حتى أنها توفر وجبات غذائية ومسكن بالمجان، لكن هناك مكاتب يصرف الطلاب فيها على أنفسهم ومعيشتهم، وهذا المنطقي في غالبية الدول والبلدان العربية". وأوضح أن ما تداوله النشطاء "أظهر عينة قليلة من مكاتب التحفيظ، ممن يعتمد أصحابها هذا النوع من الترزق على أكتاف الأطفال، وهم معدودون وفي تناقص". بينما علّق مستخدم يحمل اسم ابن الصحراء عبر صفحته في "فايسبوك"، قائلاً: "من الخلل أن يحكم الشخص على أمر في مكان، وهو في مكان مختلف.. في موريتانيا لا يمر عليك شبر إلا وتستمع لصوت الصغار يتسابقون في حفظ القرآن، وأماكن تحفيظ القرآن معروفة محلياً بالمحاضر أو المحاظر، وهي كثيرة ومنتشرة في موريتانيا، ومجانية إلا أنه على الطلاب التكفل بمعيشتهم وإقامتهم فيها، ما يدفع بعضهم إلى التسول أو بيع السواك أو الصمغ العربي، وكل وطريقته في تدبر أموره". كما ان هذا المدون يرى: "أن المحاظر ليست مسؤولة عن طريقته في جلب رزقه، وعلى رغم كل هذه الصعاب، فلقد خرّجت هذه المحاظر عباقرة في اللغة العربية والنحو والفقه وحفاظ مجازين في جميع روايات القرآن".
اعتذار
المستخدمة الفلسطينية يارا فايز، تفاعلت مع الأطفال الموريتانيين، واعتذرت لهم عن أوضاعهم السيئة، وتمنت لو اتحد رجال الأعمال العرب، لدعم حق هؤلاء الأطفال في التعلم، من دون أن يتعرضوا لهوان السؤال وذل الحاجة إلى مد اليد. مشيرة إلى أن التعليم يعد أول الأبواب بصرف النفقات، أو على الأقل جزء منها في مجتمعنا العربي، يستطيع أن يحمي هؤلاء الأطفال من التسول.
التمثيل الموريتاني في المسابقات العالمية لحفظ القرآن لافت للنظر، ودلالة واضحة على المستويات العالية للحفظة الموريتانيين، على رغم الفقر. وظهر ذلك جلياً في مسابقات الحفظ في الإمارات والمملكة العربية السعودية، والتي شهدت وصول طلبة موريتانيين إلى النهائيات، خلال النسخ الأخيرة منها. وعلى الصعيد الإقليمي، تعلن الحكومة الموريتانية كل عام عن مسابقة تشعل التنافس بين أبنائها؛ لنيل جائزة رئيس الجمهورية لحفظ القرآن الكريم وتجويده، وفقاً لوكالة الأخبار الموريتانية.
ومن جهته، فسر موقع حسوب، ظاهرة تسوّل الأطفال من أجل التعليم، وأوضح أن النظام التعليمي في موريتانيا صارم للغاية، فعندما يبلغ الطفل ست سنوات تعلمه والدته القراءة، وتحفظه بضعة أحزاب من القرآن، وبعد ذلك يُرسل إلى "محظرة" بعيدة جداً، ليكمل حفظ القرآن، ويدرس العلوم الإسلامية في الغربة، ودائماً ما تتسم هذه المحاظر بالقساوة من ناحية النظام الغذائي، مع العلم أن غالبية الموريتانيين يعتقدون بأنه لا يمكن تحصيل العلم وأنت في منزل أسرتك، بينما تنعم بحنان الأم ورعاية الأب، بل يجب أن تغترب وتجوع لكي تكون أهلاً للعلم.
تيم لاين