بدأت عادات اجتماعية كثيرة درج عليها الناس تتأثر بحكم تحولات المجتمع الموريتاني خلال الحقب الأخيرة, لكن عادة "السحوة" (الحياء) لا تزال تفرض سلطانها وطقوسها على الجميع بمن فيهم كبار السن، وإن كان على الشباب أن يتمثلها ويلتزم بها أكثر.
طقوس غريبة
ويلزم الوالدان بتربية أبنائهما على احترام عدم الإخلال بأي من مقتضيات السحوة الصارمة، وتتعرض البنت التي تخل بها لكثير من الانتقادات، كما أنها تبقى أحيانا كثيرة معرضة للبوار والعنوسة, ومادة للتندر والنكات بين الأهالي والمحيط.
ووفق طقوس السحوة على الزوجة أن لا تبدي فرحتها، ولا تظهر زينتها ومفاتنها طيلة أيام العرس، وألا تذكر اسم زوجها ولا اسم أبيه أو أسرته طيلة الزواج، ولها عوضا عن ذلك أن تكني عن اسم شريك حياتها بضمير الغائب "هو"، أو "الرجل"، أو نحوه من الكنايات غير المباشرة.
وعلى الزوجين أن لا يظهرا حبهما أمام الناس، ولا يبديا عمق روابطهما، ولا يسيرا مترافقين إلا لضرورة قصوى، دون أن يصل الأمر –تحت أي ظرف- إلى رؤية الأكابر والوالدان لهما، فذلك من المحظورات التي لا تغتفر.
كما تمنع عادة "السحوة" على الأبوين مداعبة أطفالهما بحضور غيرهما، أو إظهار المودة والمحبة لهم، وإن حصل أن اقترب الطفل من أبيه أو أمه في وجود بعض كبار السن فإن عليه أن يدفعه بقوة، ويمنعه من الاقتراب منه.
تنظيم للعلاقات
الخبير الاجتماعي محمد محمود ولد سيد يحيى أوضح في حديث مع الجزيرة نت أن ظاهرة السحوة التي يسميها باحثو الأنثروبولوجيا بظاهرة التحاشي توجد بقوة في المجتمع الموريتاني وعدد من المجتمعات الأفريقية, وهي تعني تجنب الناس الحديث في الموضوعات العاطفية والجنسية إذا كانوا من أعمار مختلفة.
وبيّن أن الحرج والكلفة يزدادان بين الرجل ووالد زوجته إلى حد أن أعراف بعض المناطق تقتضي أن لا يلتقيا ولا يتحدثا أبدا، مشيرا إلى أن السحوة تظهر بشكل أقوى عندما يستهجن المجتمع أن تسمي الزوجة زوجها باسمه علنا أمام الآخرين، أو أن تبدي عواطفها تجاهه أو تجاه أطفالها على الملأ, وهي عادات تضرب بجذورها في القدم عندما كانت السحوة تنظم علاقات مجتمع "الخيمة" المفتوح الذي لا جدران له, ولئن بدأت تخف أحيانا في المدن فإنها ما زالت رمزا لاحترام الأعراف ويبررها المجتمع بأنها من الحياء الديني.
مشاكل.. وفوائد
وتصل حدة الظاهرة حسب الباحث ولد سيد يحي حد امتناع بعض النساء الحوامل من مراجعة الطبيب، أو إشعار أهلهن وذويهن بأنهن حوامل، لكنه أكد أنها في الوقت ذاته تحمل فوائد كثيرة كأن تفرض على الصغير الامتناع عن التدخين أمام من يكبرونه، داعيا إلى المحافظة عليها لأن جدرانها التي تضايقنا أحيانا ستظل تشكل ضمانا نفسيا واجتماعيا مهما في عصر يتحول بسرعة من الستر إلى العري، ومن التراحم إلى الأنانية المادية.
المصدر : الجزيرة