شكل البيان الذي ردت به الرئاسة الموريتانية الثلاثاء، على المطالبين بتعديل الدستور والسماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، بما تضمنه من رفض للخطوة والتوجيه بوقف كل المبادرات المتعلقة بمراجعة المواد الدستورية المتعلقة بالولايات الرئاسية، تحولاً كبيراً في الساحة السياسية المضطربة منذ فترة، بسبب تعالي مطالب تعديل الدستور من قبل أنصار الرئيس والرفض القوي للخطوة من قبل كافة القوى المعارضة التي تطالب بعدم المساس بالدستور، وخصوصا مواده المحصنة والتي تحظر على أي رئيس التمديد لولاية ثالثة. وبقدر ما أوصل بيان الرئاسة الموريتانية رسالة واضحة لأنصار الرئيس بعدما طالبهم بوقف المبادرات الداعمة لتعديل الدستور، من دون أن يجد لهم مسوغاً لذلك، فتح باب التساؤل حول أسباب لجوء الرئيس للرد مباشرة على أغلبيته المطالبة بالتمديد له، وإعطائه أوامر حاسمة لوقف المبادرات التي تطالب بتعديل الدستور، أو المساس به. وكان ولد عبد العزيز، المتواجد حالياً في دولة الإمارات لحضور فعاليات أسبوع الاستدامة في أبوظبي، يؤكد في السابق أنه يتفهم رأي المدافعين عنه، والمطالبين بولاية ثالثة، ويصفهم بأنهم مواطنون يعبرون عن رأيهم مثل بقية المواطنين المطالبين بعدم المساس بالدستور أو التمديد لولاية ثالثة، وإن كان ظل يشدد رداً على تساؤلات الصحافيين في الداخل، وبعض وسائل الإعلام الخارجية، عند سؤاله حول الموضوع، على عدم المساس بالدستور أو الترشح لولاية ثالثة. رفض الرئيس الموريتاني تعديل الدستور بهدف الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام 2019، يكشف عن دخوله في مرحلة جديدة ربما تهدف فقط إلى الظهور بمظهر قوي، وإقناع الرأي العام الوطني والدولي بأنه سيغادر الرئاسة، ويحترم دستور البلاد رغم تشبث البعض به والمطالبة ببقائه. غير أن هناك أسباباً أخرى ليست بعيدة عن موقف رفضه لتعديل الدستور من أبرزها أخذ العبرة مما يجري في السودان مع الرئيس عمر البشير، إذ قد تكون أحداث السودان أحد الأسباب غير المباشرة لقرار ولد عبد العزيز برفض تعديل الدستور وولاية ثالثة، وذلك تجنباً لانتفاضة شعبية مشابهة لما حصل في السودان منذ عدة أشهر. وبرأي المحلل السياسي الموريتاني، محمد الحافظ ولد الغابد، فإن قرار الرئيس الموريتاني في الظرف الحالي بالذات اعتراف بأن مجموعته التي طالبت بتعديل الدستور حققت أهدافها باتجاه رسم ملامح ما يريده الرئيس، الذي يطمح لإقناع الرأي العام الوطني والدولي، أنه رغم احترامه للدستور، فقد ظهر بمظهر الرئيس الذي يتمسك به شعبه ويرفض أن يغادر السلطة، في محاولة لمغادرة الرئاسة برصيد من القبول لدى الشعب يمكنه من العودة للشأن السياسي من جديد. وقال الغابد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تأكيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من خلال بيان الرئاسة الأخير، على أهمية رؤيته السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وقوله إنها رؤية ثابتة للدولة، وللشعب، وهو من يقف وراءها، ويريد لها أن تستمر وأن تبقى موريتانيا تسير على نفس الإستراتيجية التي تهدف للبناء وتعزيز السلم والأمن في البلد، مجرد سيناريو مما يخطط له الرئيس مستقبلاً للبقاء قريباً من السلطة". واعتبر الغابد أن الرئيس الموريتاني بالتأكيد قد أخذ العبرة من الكثير من التجارب، وآخرها تجربة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يتعرض لانتفاضة شعبية كبيرة مطالبة برحيله عن السلطة. كما أشار إلى أنه أخذ العبرة من تجربة الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، وهي التجربة التي عاشها ولد عبد العزيز، وكان يراقبها عن قرب ويتأثر بها، لكنها تلاشت واختفت خلف انقلاب عسكري أطاح بنظام ولد الطايع، وكان ولد عبد العزيز نفسه أحد المخططين له والمشاركين في رسم أهدافه". وشدد الغابد على أن أي مراقب للشأن السياسي في موريتانيا في الوقت الحالي لا يمكنه أن يجزم بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسعى لتعديل الدستور من أجل الحصول على ولاية ثالثة أو البقاء في السلطة. ولفت إلى أن "ولد عبد العزيز يريد شيئاً ما مستقبلاً في الحكم، إما عودة قريبة لرئاسة البلد بعد فترة من حكم أحد حلفائه، أو دورا قريبا من الرئاسة، وهو ما ستكشفه الترتيبات المقبلة التي يعمل عليها الرئيس".
العربي الجديد