تعبِّر زيارة وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، قبل يومين إلى نواكشوط، ولقاؤه بالرئيس محمد ولد عبد العزيز، عن الاهتمام الإيراني بهذا البلد العربي الأفريقي، والعمل على تعزيز علاقات التعاون الأمني المشترك، على الرغم من تخندق نواكشوط ضمن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والمعادي لإيران.
وترجمت الزيارة الأولى من نوعها لوزير دفاع إيراني اهتماماً إيرانياً كبيراً بتطوير وتعزيز علاقات مع موريتانيا، إذ شدد حاتمي على أهمية تعزيز علاقات طهران مع نواكشوط، ومن خلالها مع القارة الأفريقية بشكل عام، لافتاً إلى أن طهران ترى في علاقاتها مع القارة الأفريقية أهمية كبيرة لا يمكن إلا أن تسير نحو الأفضل. وقال وزير الدفاع الإيراني، في تصريحات صحافية بعيد لقائه بالرئيس الموريتاني، إنه نقل رسالة شفهية من الرئيس الإيراني حسن روحاني تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، مشيراً إلى أن هذه العلاقات تحظى باهتمام خاص في السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الدفاع المشترك.
وبحث وزير الدفاع الإيراني مع نظيره الموريتاني الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين. كما أكد الضيف الإيراني أنه نظراً لأهمية الموقع الجغرافي لموريتانيا بالنسبة لكافة المجالات، فإن بلاده ستبحث آفاق التعاون الثنائي المشترك وسبل تطوير تلك العلاقات إلى ما هو أفضل، على حد تعبير الوزير الإيراني.
وبرأي رئيس تحرير وكالة الأخبار المستقلة، أحمد ولد محمد المصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن أبرز دلالات زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى نواكشوط هي "تلويح موريتانيا بورقة العلاقات الدبلوماسية مع إيران في وجه الدول الخليجية (السعودية والإمارات)، وهي الدول التي تحالفت معها موريتانيا، بل تحول الدبلوماسية الموريتانية إلى رهينة للأجندات السعودية منذ أكثر من سنتين بعد حصار دولة قطر".
واعتبر ولد محمد المصطفى أن "نتائج ارتهان الدبلوماسية الموريتانية للأجندة السعودية كانت دون المتوقع، بل ظهر جلياً أنها غير إيجابية، وهو ما تجلّى في عدد من الأحداث، من أبرزها زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى نواكشوط، والتي كانت خاطفة ونتائجها معدومة جداً، إذا تفهمنا عدم أهمية وعد بن سلمان ببناء مستشفى باسم والده في نواكشوط". وأشار ولد محمد المصطفى إلى أن "موريتانيا تريد من خلال تفعيل علاقاتها مع إيران أن تذكر كلاً من السعودية والإمارات بأن هذه العلاقات قائمة منذ ربع قرن، وتعزيزها لا يحتاج إلى كثير من العمل نظراً لرغبة طهران في ذلك، واستعدادها الدائم لرد الجميل لنواكشوط، التي ظلت حريصة على علاقاتها الدبلوماسية مع بشار الأسد حليف إيران في سورية". مع العلم أن أنباء عدة تحدثت عن أن الرئيس الموريتاني يستعد لزيارة سورية خلال فترة وجيزة، وإن كان المتحدث باسم الحكومة، سيدي محمد ولد محم، قد أعلن أول من أمس أن "الرئيس ولد عبد العزيز، لم يتخذ بعد أي قرار بزيارة دمشق".
وأكّد الصحافي نفسه أن الدبلوماسية الموريتانية امتازت في السنوات الأخيرة بالتحرك على أكثر من طرف، واللعب على أكثر من حبل، لافتاً إلى أن الزيارة التي تم الحديث عنها لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى موريتانيا قد خفت ذكرها ولم تعد ـ على ما يبدو ـ ضمن أولويات الإماراتيين، كما أن التمثيل السعودي والإماراتي في القمة العربية الأخيرة في نواكشوط كان دون المستوى المطلوب مقارنة مع تمثيل بعض الدول العربية الأخرى، وهي رسائل سلبية من هذه الدول تلقفتها موريتانيا ولا تزال تحتفظ بها.
وشدّد ولد محمد المصطفى على "اندفاع موريتانيا في الأجندات السعودية والإماراتية، من خلال قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، وإصدار بيانات متتالية في كل شأن سعودي حتى في الأزمة مع كندا، وهو ما جعل الاهتمام بالشأن السعودي يأخذ نسبة 80 في المائة من بيانات الخارجية الموريتانية منذ حصار قطر حتى الآن". يذكر أن موريتانيا احتفظت بعلاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد حليف إيران الأساسي، وأبقت أبواب السفارة السورية في نواكشوط مفتوحة، كما أوفدت موريتانيا وزيرها الأول مولاي ولد محمد الأغظف إلى دمشق في أوج المقاطعة العربية إلى سورية، إبان الثورة السورية، وهو ما اعتبرته إيران إنجازاً كبيراً، وأظهرت استعدادها لرد الجميل عبر تعزيز التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي مع موريتانيا.
ويرى العديد من المتابعين أن ملف ما يسمى "التشيع في موريتانيا" يشكل على الدوام أبرز العراقيل التي تصطدم بها العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وإيران، لكنها سرعان ما تكون عراقيل سهلة يمكن للطرفين التغلب عليها، وتتحول في الغالب إلى وسيلة للتدخل السعودي والإماراتي لتحديث علاقاتهما بموريتانيا.
"العربي الجديد"