مرت العلاقات الموريتانية المغربية خلال السنوات الخمس الأخيرة، بمحطات مختلفة تراوحت بين التصعيد المتبادل والتوتر والجفاء حيناً، والدفء والسير نحو التعاون وتوطيدها في أحيان أخرى، قبل أن تشهد تحسناً بعد إعادة تبادل السفراء أخيراً، وتفعيل الملف الاقتصادي، من دون أن تصل حتى اليوم إلى مرحلة تبادل الزيارات على المستوى الرئاسي والملكي.
وظلّت العلاقات بين البلدين قبل فترة في مرحلة جفاء كبيرة، إلى أن أعلنت نواكشوطتعيين محمد الأمين ولد آبي، سفيراً جديداً لها في الرباط، ثم عيّنت الأخيرة حميد شبار، سفيراً في موريتانيا تمهيداً لبدء مرحلة جديدة من التعاون الدبلوماسي، من شأنه أن ينهي ما كان قائماً من توتر سياسي واقتصادي، لا يريد مواطنو البلدين أن يستمر أكثر.
وفي ظل مصالح متشابكة بين المغرب وموريتانيا، يبقى الملف الاقتصادي الورقة الأهم التي يمكن أن تسهم أكثر في استمرارية تهدئة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتطويرها، بما يمكن أن يوفر ضمانات كافية لإنهاء التوتر الدبلوماسي بين نواكشوط والرباط في الأيام المقبلة، إضافة إلى التنافس الجزائري المغربي الذي تحاول نواكشوط الاستفادة منه لصالحها.
وكانت وزيرة التجارة والصناعة والسياحة الموريتانية، خديجة أمبارك فال، تحدثت عن "العلاقات الأخوية" التي تجمع بلادها بالرباط، مشددة خلال إشرافها على منتدى رجال الأعمال الموريتانيين ونظرائهم المغاربة، على متانة الروابط والتعاون والتكامل بين البلدين، وأن علاقات الدم والجوار والمصير المشترك من شأنها أن تشكل ضمانات كافية لتعزيز التعاون الدبلوماسي والاقتصادي بين موريتانيا والمغرب. وذكرت الوزيرة بأن علاقات البلدين شهدت في الآونة الأخيرة دفعاً كبيراً استجابة لرغبة مشتركة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والعاهل المغربي محمد السادس.
وتعليقاً على ذلك، رأى الصحافي الموريتاني، مدير وكالة أنباء الأخبار المستقلة، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أن إكراهات الجغرافيا وضرورات الاقتصاد فرضت دوماً تحسن العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والمغرب، فكلما شهدت توتراً أو تعثراً، أعادتها هذه الثنائية من جديد إلى طريقها الصحيح. وأضاف ولد الشيخ سيداتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موريتانيا تُعتبر بوابة الاقتصاد المغربي نحو أفريقيا، فطرق الداخلة ـ نواكشوط ونواكشوط - دكار ونواكشوط - باماكو، سمحت بتنقل الأفراد والبضائع بشكل غير مسبوق من المغرب إلى هذه الدول الأفريقية مروراً من موريتانيا، وتضاعف حجم نقل البضائع وتنقّل الأفراد عشرات الأضعاف خلال السنوات الأخيرة.
واعتبر ولد الشيخ سيداتي أنه في كل مرة تعكّر السياسة صفو العلاقات الموريتانية المغربية، تعيدها المصالح إلى طريقها الصحيح، مشيراً إلى أن "العالم لم يعد عالم صراعات سياسية فقط، وإنما أصبح عالم مصالح بالدرجة الأولى، والدبلوماسية تحوّلت من دبلوماسية تسترد المواقف السياسية للأنظمة، إلى دبلوماسية تعتمد على المصالح الاقتصادية". ولفت إلى أن افتتاح معرض جزائري سنوي في نواكشوط شاركت فيه عشرات الشركات، ساهم بقوة في التقارب الموريتاني المغربي، لكون الجزائر غريماً للمغرب، كما أن افتتاح معبر بين موريتانيا والجزائر يعد عاملاً إضافياً زاد من العرض المغربي المغري على موريتانيا لتحييد المنافس الجزائري. ورأى أن موريتانيا تسعى إلى التوازن في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الجزائر والمغرب، حتى تظل المستفيد الأول من تغذية التنافس بين المحورين خدمة لمصالحها الخاصة.
من جهته، اعتبر الصحافي الموريتاني المهتم بالشأن المغاربي، إمام الدين ولد أحمدو، أن إنشاء منتدى اقتصادي موريتاني-مغربي، انطلقت أعماله الإثنين في نواكشوط، بمشاركة أكثر من 100 شركة مغربية ومثيلاتها من موريتانيا، أهم فرصة لتطوير الاستثمار والشراكة بين البلدين، والعمل على إصلاح ما خلّفته مرحلة التوتر الدبلوماسي التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
ولفت ولد أحمدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الملف الاقتصادي من شأنه أن يسهم بشكل فعال في تحسين وتوطيد العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والمغرب، نظراً لتشابك المصالح في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية، ولكون علاقات البلدين تاريخياً بُنيت على التبادل التجاري والثقافي، كما كان للدور السياسي فيها حضور بارز". وأشار إلى أن برنامج المنتدى الاقتصادي الموريتاني المغربي، تضمّن تقديم عرض حول مناخ الأعمال، وفرص الاستثمار في موريتانيا، إضافة إلى عرض حول تجربة الشركات المغربية العاملة في موريتانيا، وهو ما يعطي إشارة واضحة حول جدية الرباط في إنهاء كافة مظاهر التوتر التي كانت سائدة في علاقاتها الدبلوماسية مع نواكشوط، بعد مرحلة حساسة كادت أن تقود لقطيعة سياسية بين البلدين.
العربي الجديد