في هذه المقابلة يتحدث الدكتور أحمد انداري، أستاذ القانون العام في جامعة نواكشوط العصرية والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عن عوائق تحسن العلاقات المغربية الموريتانية، وسياسة “الحياد الإيجابي”، وسبب استمرار التأشيرة بين البلدين الشقيقين، ومستقبل العلاقات المغربية الموريتانية
(نص المقابلة )
لم يستبعد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في تصريح سابق له هذه السنة، تحسن العلاقات مع المغرب.. هل ترى أن العلاقات بين البلدين سائرة في طريق التحسن، أم أنها تعرف حالة ركود في الوقت الحالي؟
بداية، أشكرك أخي الكريم ومن خلالك أشكر موقع هسبريس على هذه السانحة الكريمة، التي أرجو من خلالها أن أتمكن من الإسهام ولو بقدر متواضع في إنارة الرأي العام في البلدين حول بعض جوانب هذه العلاقات بين الدولتين الشقيقتين. أما فيما يتعلق بسؤالكم فيمكن القول إن العلاقات الموريتانية المغربية لم تنشأ نشأة طبيعية ولم تبدأ بداية عادية كما هو المعتاد في العلاقات بين الدول، وإنما بدأت بقطيعة كاملة فكما تعلمون وكما يعلم القراء الكرام، فإن حُصولُ كُلٍّ من المغرب وموريتانيا على استقلاليْهِما قد تزامن مع تحد أساسٍ واجَهَ بِناءَ عَلاقاتٍ طبيعيَّةٍ بينهُما. وقد ارتبطَ هذا التحدِّي بالمُطالَبة المغربية بموريتانيا، تلك المطالبة التي ظلَّت مِحور صراع دبلوماسي وسِياسِي بينهما، دارَتْ رَحاهُ طَوالَ ما يُناهِزُ العقد من الزمن، وانتهى باعترافِ المغرب بموريتانيا في العام 1969؛ وهو الاعترافُ الَّذِي شَكَّلَ نِهايةً لعَهْدٍ من القَطيعةِ الكَامِلة بين البَلديْنِ
وعلى الرغم مِنْ أن ذلكَ الاعترافَ كان يجِبُ أن يُشكِّلَ بِدايةً لعهدٍ جديدٍ من العلاقات بين الدولتين يكونُ قَوامُه التَّعاوُنُ المُثمِرُ في كافَّةِ الأصْعدة، خاصَّة أنَّ هناك الكثيرَ مِمَّا يَجمع بين البلدين، وأن آمالاً كبيرةً كانت مُعلَّقةً على أن يُشكِّلَ تعاوُنُهُما نموْذجاً يُحتَذَى به في شبه المنطقة، وأن يُمثِّل قوة دفعٍ للمشروع التوحيديِّ المَغارِبِيِّ؛ فإن كل تلك الآمال سُرْعانَ ما مُنيَتْ بانتكاسةٍ، لا سيَّما أنَّ خبرة العقود الخمسة التي أعقبت الاعتراف المغربي بموريتانيا قد كَشَفتْ هَشاشَةَ وضعف العلاقة بين البلدين، بحيث غدت العَلاقةُ بينهما تشكل نموذجاً للعلاقة المتقلِّبَة وغيْرِ المُستقِرَّة.. وبالتالي، فإن هذه العلاقات يجور بها الملاح طورا ويهتدي كما يقال، بمعنى أنها علاقات غير مستقرة ومتذبذبة، وغير ثابتة على نسق واحد. وبطبيعة الحال، فإنه كملاحظة عامة فإنه يمكن القول إن هذه العلاقات في السنوات الأخيرة لم تكن في أفضل حالاتها، كما تدل على ذلك بعض مظاهر التوتر البادية للعيان، وبالتالي فإن تصريح الرئيس الموريتاني الذي ذكرتم قد أسهم في إذابة جليد تلك العلاقات، كما أعطى إشارات إيجابية سرعان ما تلقفها الطرف المغربي.. وأعتقد أن هذا التصريح إلى جانب عوامل أخرى قد أسهم في تبديد سوء الفهم الذي كان قائما، وفي تحسين العلاقات بين البلدين؛ وهو التحسن الذي كان من مظاهره تقارب الطرفين على أكثر من صعيد، وكان من مظاهره كذلك تعيين موريتانيا لسفير لها في المغرب لأول مرة منذ العام 2012. وأعتقد أن العلاقات حاليا تمر بمرحلة من التحسن مقارنة بمراحل التوتر السابقة
كيف تقرأ خطوة القفز على موريتانيا عند عودة المغرب للاتحاد الإفريقي؟
حقيقة لم أفهم ماذا تقصد بخطوة القفز على موريتانيا، فإذا كنت تعني بذلك عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، فلا أظن أن موريتانيا يضيرها في شيء أن ينضم المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، بدليل أنه لو كان يضيرها ذلك في شيء لما صوتت لصالح انضمامه إلى تلك المنظمة. كما أن المغرب، حسب معلوماتي المتواضعة، لم ينضم يوما إلى الاتحاد الإفريقي لكي نتحدث عن عودته إليه، وإنما الصحيح من وجهة نظري هو أن نتحدث عن انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. أما المنظمة التي كان المغرب عضوا فيها وأسهم في تأسيسها فهي منظمة الوحدة الإفريقية، وهي لم تعد موجودة، حتى لو أن كثيرين يعتبرون أن الاتحاد الإفريقي هو مجرد استمرار لها إلا أن هناك بالمقابل العديد من الاختلافات بين المنظمتين لا يمكننا تجاهلها. وعلى العموم، فإنه من حق المغرب أن ينضم إلى تلك المنظمة، لا سيما أنه يعد من بين البلدان التي أسهمت في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، كما أنه يمتلك الكثير من الثقل الذي يؤهله للعب أدوار مهمة في القارة
هل ترى أن موقف “الحياد الإيجابي” الموريتاني من قضية الصحراء سينجح في الاستمرار، في ضوء المعاتبة المستمرة لموريتانيا من لدن المغرب والجزائر على كل موقف يمكن أن يحسب لأحدهما؟
بداية، دعنا نقول إنه بالرغم من حرص أغلب الحكام الذين تعاقبوا على سدة الحكم في موريتانيا على تجسيد التوازن في سياستها الخارجية تجاه هذين القطبين، إدراكا منهم للمخاطر التي قد تنجم عن إقحام موريتانيا في الصراع الجزائري المغربي، فإن إحداث ذلك التوازن بشكل فعلي في سياسة موريتانيا الإقليمية قد ظل يصدم بصعوبات عديدة. لعل من أهمها أن مشكل الزعامة في شمال إفريقيا هو مطروح بإلحاح وحِدَّة أكثر مما هو مطروح في باقي القارة الإفريقية، بسبب التقارب الشديد في الإمكانات والتكافؤ شبه التام بين الطرفين المتنافسين على الزعامة المغرب والجزائر..
وإزاء وضعية مثل هذه الوضعية المعقدة، وواقع مثل ذلك الواقع الذي يطبعه الصراع بين البلدين الشقيقين المغرب والجزائر، وجدت موريتانيا نفسها مجبرة على بذل جهد مضاعف من أجل إحداث التوازن المطلوب في سياستها الخارجية تجاه هذين القطبين، بغية الحفاظ على علاقات جيدة مع الدولتين، مع البقاء على الحياد في الصراع القائم بينهما، وعدم التورط فيه قدر الإمكان
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو قابلا للتحقيق من الناحية النظرية فإنه من الناحية العملية يطرح صعوبات عديدة، لعل من بينها أن حدة الاستقطاب الجزائري المغربي القائم منذ عقود تجعل من كل خطوة تقوم بها موريتانيا تجاه أي من البلدين تفسر من قبل البلد الآخر على أنها موجهة ضده
وتدل الخبرة التاريخية على أن أغلب الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في موريتانيا واجهت صعوبات عديدة حالت دون تمكنها من الحفاظ على علاقات بالدرجة نفسها من القوة مع البلدين في الآن نفسه، والاستثناء الوحيد في هذا المجال يمكن القول إنه كان هو فترة نظامي الرئيسين، معاوية ولد سيد أحمد الطايع، واعلي ولد محمد فال، اللذين تمكنا ـوخاصة الأول منهماـ أن يحافظا على علاقة جيدة مع طرفي المعادلة، المغرب والجزائر، وأن يطبقا في الوقت نفسه فكرة الحياد تجاه قضية الصحراء
وعلى كل حال، فإنه يمكن القول إن موقف الحياد الذي تبنته موريتانيا من الناحية الشكلية منذ العام 1979، وتبنته فعليا منذ أواخر العام 1984، ـ وتحديدا منذ وصول نظام الرئيس معاوية إلى الحكم ـ وبالرغم من كل ما قد يقال عنه قد أثبت جدوائيته، كما صمد أمام العديد من الاختبارات التي تعرض لها سابقا في مراحل تاريخية مختلفة، كما أظن أنه سيصمد مستقبلا ما لم يحصل أمر غير متوقع كأن تقع حرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، ويتم جر موريتانيا إلى أُتون الحرب، فآنئذ فقط يمكن أن يتغير هذا الموقف
ألا ترى أن هناك في السنوات الأخيرة مبالغة من لدن موريتانيا في الاحتفاء بجبهة البوليساريو؟
شخصيا، لا أرى أن هناك احتفاء مبالغا فيه بالجبهة في موريتانيا. وعلى كل حال، فإنه حتى لو سلمنا جدلا بوجود مثل هذا الاحتفاء؛ فهو أمر يسهل فهم أسبابه بالنظر إلى مسار العلاقات الموريتانية المغربية في السنوات الأخيرة، وما عرفته تلك العلاقات من توتر وأزمات. كما أنه قد يفهم على أنه يأتي كرد من نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على استضافة المغرب لاثنين من ألد وأشرس خصومه السياسيين؛ وهما كل من محمد ولد بوعماتو والمصطفى ولد الإمام الشافعي
هل لاعتراف موريتانيا بـ”جمهورية” جبهة البوليساريو انعكاسات حقيقية على أرض الواقع؟
إذا كنت تقصد بأرض الواقع تأثير ذلك الاعتراف على واقع العلاقات الموريتانية المغربية، فأعتقد أنه يؤثر ولا يؤثر في الوقت نفسه. فمن جهة، فإنه كما تعلم ويعلم القراء الكرام فإن المغرب قد درج على التعاطي والتعامل مع مختلف الدول انطلاقا من عامل واحد ومحدد وهو موقفها من قضية الصحراء. وبالتالي، فإنه من هذه الناحية يمكن القول إن المغرب قد تأثرت نظرته إلى موريتانيا بذلك الموقف.. ومن جهة أخرى فإنه يمكن القول إن المغرب قد حرص في نفس الوقت، وعلى خلاف ما اعتاد أن يقوم به في علاقاته مع باقي البلدان، على أن يبقي على شعرة معاوية مع موريتانيا وأن لايفصم العرى معها، إدراكا منه من جهة لطبيعة العلاقة الخاصة التي تجمع موريتانيا بالصحراويين، ومن جهة أخرى، لمعرفته أهمية ومحورية الدور الذي قد تلعبه موريتانيا في أي حل مرتقب لقضية الصحراء، وبالتالي فإنه يمكن القول من هذه الوجهة إن العلاقات الموريتانية المغربية لم تضار كثيرا من ذلك الاعتراف
ما هي العوائق التي تحول دون تحسن العلاقات المغربية الموريتانية؟
يمكن القول إنه في الوقت الحالي لا توجد أي عوائق تحول دون تحسن العلاقات الموريتانية المغربية، وكل ما ينقص هو توفر إرادة سياسية لدى كل من الطرفين لتحسين تلك العلاقات، وهي الإرادة التي أحسب أنها موجودة أصلا، ولا ينقص سوى تفعيلها
هل قضية الصحراء هي العائق الوحيد أمام السير السلس للعلاقات بين البلدين؟
لا أعتقد أن قضية الصحراء تشكل عائقا في الوقت الحالي أمام تحسن العلاقات الموريتانية المغربية. أما إذا كنت تقصد الحديث بشكل مجمل عن دور قضية الصحراء في العلاقات الموريتانية المغربية فهو دور لا يمكن وصفه في حد ذاته بأنه إيجابي أو سلبي، لا سيما أن النسبية التي تتسم بها العلاقات الدولية تجعل أنَّه من الممكن لنفس العامل أن يلعب أدواراً إيجابيةً في مرحلةٍ من مراحل العلاقة ويلعب أدواراً سلبيةً في مَرْحلةٍ أخْرى من مراحلها، وبتطبيق تلك الحقيقة على قضية الصَّحْراءِ سنجد أنها قد شكَّلت عاملاً من أهم العوامل التي شَجَّعَتْ على التعاون والتقارُب بين البلدين في السنوات الأولى من سبعينيَّات القرن الماضي، وأنها هي نفسها القضية التي ستمثل أهم عاملٍ للصِّراع وأكبر مبررٍ للقطيعة بينهما في السنوات الأخيرة من السبعينيات والسنوات الأولى من الثمانينيات من القرن نفسه
أما إذا كنت تعني بسؤالك الاستفهام عن العوامل التي قادت إلى توتر العلاقة بين الطرفين وفقدانها للثبات فهي عديدة وكثيرة، يمكن أن نذكر منها المطالبة المغربية بموريتانيا، وقوة التنافس المغربي الجزائري وحدة الاستقطاب بين الطرفين، وعدم استقرار نظام الحكم في موريتانيا وكثرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الأخيرة. وقد انضافت إلى تلك العوامل عوامل أخرى في السنوات الأخيرة، نذكر منها: تباين مواقف البلدين من الربيع العربي وأساليب التعاطي معه، هذا علاوة عن تنافس البلدين على بعض الملفات الاقليمية. هذا بطبيعة الحال دون أن ننسى دور بعض وسائل الاعلام في البلدين التي أسهمت من حيث تدري أو من حيث لا تحتسب في بعض الحالات في التشويش على العلاقة بين البلدين وتوتيرها
هل ما زال هناك مستقبل للاتحاد المغاربي أم أن مشكل الصحراء يجعل هذا مستبعدا؟
طبعا، لا يزال هنالك مستقبل للاتحاد المغاربي.. فبالرغم من كل شيء سيظل الاتحاد المغاربي هو الأمل الذي بوسعه أن يضيء لنا الطريق، وهو المستقبل الذي نحلم به جميعا كمغاربيين؛ بل إن كل ما حصل من مشكلات بين الدول المغاربية يجعلنا أكثر حرصا على قيام هذا الاتحاد، الذي سيحل دون شك الكثير من المشكلات التي تئن تحتها بلداننا. أظن أن الاتحاد المغاربي هو خيار استراتيجي لا رجعة عنه لدولنا المغاربية وحتى لو أردت تعويضه عن طريق الدخول إلى تكتلات أخرى فإن أيا من تلك التكتلات ليس بإمكانه أن يمنح الفرص التي يمنحها ذلك الاتحاد، ولا أن يقي من الأخطار التي يمكن أن يقي منها الاتحاد المغاربي، ومالم نُفَعّل ذلك الاتحاد فسنظل باستمرار نئن تحت الكلفة الباهظة لعدم الاتحاد. وحتى لو استبعدنا المبادئ ووضعناها جانبا، ونظرنا من ناحية مصلحية بحتة، فأيهما أفضل على سبيل المثال للبلدان المغاربية؟ أن تتفاوض مع الأوروبيين بشكل فردي بحيث ينفرد الأوربيون بكل دولة مغاربية على حدة، أم أن تتفاوض البلدان المغاربية معهم بشكل جماعي؟
كيف تقرأ استمرار تأشيرة الدخول بين البلدين الجارين؟
كمغاربي، وكمسلم، وكعربي، لا أجد أي داع أو مبرر لوجود تأشيرة بين بلدين مغاربين، وعربيين، ومسلمين. وأتألم كثيرا وأنا أرى حجم التعقيدات الكبيرة التي توضع حجر عثرة أمام زيارة مواطني أحد البلدين للبلد الآخر. بالقدر نفسه الذي أتألم فيه وأرى الحدود بين بلدين شقيقين وتجمع بينهما أشياء كثيرة مثل المغرب والجزائر مغلقة؛ لكن على كل حال فإن للسياسة أحكامها. وهي الأحكام نفسها التي أدت إلى فرض التأشيرة بين المغرب وموريتانيا. وعلى الرغم من أنني لا أعرف بشكل يقيني التاريخ الذي فرضت فيه فإنني أظن أنها قد تكون فرضت لأول مرة في العام 1981، وأظن أن فرضها جاء كأحد تداعيات محاولة انقلاب 11 مارس من ذلك العام والتي اتهمت موريتانيا المغرب بالوقوف ورائها
كيف ترى مستقبل العلاقات المغربية الموريتانية؟
يظل مستقبل العلاقات الموريتانية المغربية رهينا بأن يدرك ساسة البلدين أن ما يجمع بين الدولتين أكثر مما يفرق بينهما، وأن محددات التواصل بينهما هي دائمة وثابتة في حين أن مرتكزات وعوامل الفصل والتنافر هي ظرفية وعابرة، وأن الأصل الذي تقوم عليه تلك العلاقات هو التعاون والوفاق أما الصراع والخلاف فيظل مجرد استثناء
وعموما، فإنه يمكن القول إن التعاون بين الطرفين أصبح أمرا ضروريا ولا غنى عنه لأي من الطرفين عنه، خاصة في ظل هذا العالم المُعَوْلَم الذي لا يرحم الضعفاء الذي نعيش فيه. وهذه البيئة الدولية المليئة بالأخطار والتي تفتقد فيها كل الدول حتى الكبيرة منها إلى اليقين والأمن، بسبب التحولات المُتسارعة والتقلبات المفاجئة التي تعرفها العلاقات الدولية في العقود الأخيرة، والبيئة الإقليمية المحفوفة بمخاطر الإرهاب والجريمة العابرة للقارات
ليس بسبب ذلك فحسب، وإنما إن هذا التعاون يظل ضروريا حتى انطلاقا من المعطيات الذاتية المتعلقة بكل بلد على حدة. فبالنسبة إلى المغرب، فإن عليه أن يدرك أن موريتانيا تعد ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بأمنه القومي، كما أن صناع القرار المغاربة يجب أن يعوا جيدا أن تمتع المغرب بعلاقات جيدة مع الدول الإفريقية وحصوله على نفوذ كبير على الساحة الإفريقية لا يمكن له إلا أن يمر أولا عبر تقوية العلاقات المغربية الموريتانية وتحصينها من التذبذب، والأزمات المفاجئة. فحتى لو تم النظر من زاوية براغماتية صرفة، فلا مناص من الاعتراف بأن موريتانيا تشكل العمق الاستراتيجي للمغرب في إفريقيا، وبوابته تجاه هذه الأخيرة
وبالنسبة إلى موريتانيا فإن عليها أن تدرك جيدا أن عدم احتفاظها بعلاقة طبيعية مع المغرب، يحمل في طياته مخاطر كبيرة على أمنها واستقرارها، خاصة أن الخبرة التاريخية دلت على أن ميل موريتانيا لصالح أي من الطرفين القويين في المعادلة المغاربية، أي المغرب والجزائر، كثيرا ما تسبب في حصول انقلابات عسكرية، كما أنه كان من العوامل الهامة التي أدت إلى افتقاد موريتانيا للاستقرار. وإلى جانب ما سبق، فإن على موريتانيا أن تعي جيدا مدى الثقل الكبير الذي يتمتع به المغرب على الساحة العربية؛ الأمر الذي يجعل تأثير طبيعة وشكل العلاقة التي تربط موريتانيا بالمغرب يمتد، لتصل تداعياته إلى علاقة موريتانيا بباقي الدول العربية
كما أنه حتى من ناحية مصلحية صرفة فإن الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع المغرب يظل دعامة قوية للحفاظ على وحدة موريتانيا وانسجامها الاجتماعي، على اعتبار أن المغرب يمثل عمقا استراتيجيا لموريتانيا وبوابة لها على العالم العربي، هذا الأخير الذي يشكل رافدا مهما من روافد الهوية الموريتانية وبُعدا حضاريا هاما لجزء معتبر من مواطنيها. كما أن بقاء موريتانيا وأمنها واستقرارها كلها أمور تظل رهينة بقدرتها على الحفاظ على ذلك التوازن الحرج، بين متطلبات انتمائها العربي، ومقتضيات انتمائها الإفريقي
نقلا من موقع هسبريس المغربي