في اليوم الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، خرج عمر دحمد (43 سنة) صباحا من منزله بالمدينة الاقتصادية نواذيبو، كان يوما عاديا بالنسبة له ولأسرته البسيطة، حيث يذهب للعمل ويذهب أطفاله إلى المدرسة، ككل يوم.
في الساعة 11 صباحا، تلقى عمر اتصالا هاتفيا من زوجته، جعله يتسمر في مكانه غير قادر على فهم ما يجري، كانت زوجته على الخط من الناحية الثانية، تصيح وتبكي، فقد اغتصبت ابنتهم وردة التي تبلغ من العمر سبع سنوات.
بحسرة يحكي الأب عمر دحمد قصة اغتصاب ابنته للجزيرة نت "عندما أتيت إلى المنزل، كانت ابنتي وردة ملطخة بالدماء، وهي في حضن أمها، كانت أمها في حالة يرثى لها، أما أنا فالله وحده يعرف كيف كانت حالتي".
ويضيف "خرجت ابنتي من المدرسة في راحة قصيرة، وذهبت إلى الدكان المجاور للمدرسة، وفي طريق العودة أخذها الجاني تحت التهديد بالقتل، وأدخلها إلى المكان الذي يعمل فيه كحارس، وهناك قام باغتصابها".
تعاني وردة الآن من أضرار جسدية وصدمة نفسية -حسب والدها- وتحتاج إلى الاستمرار في العلاج، ويقول الوالد المكلوم في ابنته "وردة كانت ذكية للغاية، تجاوزت أقرانها في العمر، وهي الآن متقدمة في الدراسة، وتجاوزت بعض الفصول لأن مستواها يخول لها ذلك".
جرح لا يندمل
حادثة اغتصاب الفتاة وردة ذات السبع سنوات، أنكأت جرحا لم يندمل بعد في المجتمع الموريتاني، وذكّرت المجتمع بحالات اغتصاب مماثلة، وجددت ارتفاع الأصوات المطالبة بسن قانون لجريمة الاغتصاب يكون رادعا للمجرمين.
المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق المرأة في كل مرة تظهر فيها حالة اغتصاب جديدة يكثفون التحرك من أجل الضغط على الدولة من أجل سن قانون حازم.
وتفيد منظمة صحة الأم والطفل (إحدى المنظمات التي تعمل في الدفاع عن ضحايا الاغتصاب) بأن حالات الاعتداء الجنسي في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم وحده وصلت إلى 25 حالة اعتداء.
وتقول رئيسة المنظمة زينب الطالب موسى للجزيرة نت إنهم في المجتمع المدني يواجهون ضعف القانون من جهة، ونظرة المجتمع للاغتصاب من جهة أخرى، حيث يرفض البعض التبليغ عن الحالات، في حين تتم تسوية حالات أخرى بين العائلات والقبائل، وأضافت "الاغتصاب أصبح ينتشر في المجتمع مثل انتشار النار في الهشيم، وإذا لم تتحرك الدولة بسرعة فائقة فإنها ستفقد السيطرة على الموضوع".
صمت الدولة
وتنظم المنظمات الدولية والوطنية من حين لآخر وقفات ومظاهرات احتجاجا على صمت الدولة، في ظل انتشار الاغتصاب؛ فقبل أشهر عقدت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤتمرا صحفيا فينواكشوط، دقت فيه ناقوس الخطر، وطالبت الحكومة الموريتانية بضرورة التحرك من أجل إنصاف ضحايا الاعتداءات الجنسية، ونشرت تقريرا مفصلا عن الاغتصاب في موريتانيا.
كما نظم بعض الشباب وقفات احتجاجية أمام وزارة العدل، يطالبون فيها العدالة بعدم السماح بتسوية الملفات دون عقاب الجناة، وبتشديد عقوبة جريمة الاغتصاب، لكن كل هذا التحرك لم يفد.
وبحثا عن الإنصاف، وبشكل سريع، قام عمر دحمد بالإبلاغ عن الاعتداء الذي استهدف ابنته، وقادت التحقيقات الأولية إلى متهم واحد، وهو رجل خمسيني عسكري متقاعد، يعمل حارسا لمرآب سيارات تابع لشركة خاصة قرب المدرسة التي تدرس فيها وردة، وسريعا ألقي القبض عليه، في انتظار المحاكمة.
ويقول عمر والد الفتاة للجزيرة نت إنه جاءته 12 وساطة من أجل تسوية الملف بعيدا عن القضاء، لكنه رفضها كلها قائلا "أنا لا أريد سوى تطبيق العدالة في المجرم الذي اغتصب ابنتي وتركها في هذه الحالة، لن أقبل أي تسوية للملف".
منظمات حقوقية مهتمة بالدفاع عن المرأة والأطفال أعلنت دعمها لعمر دحمد والد الفتاة في محنته، كما تضامن معه ناشطون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح قضيته قضية رأي عام.
ويمتلك الأبَ عمر دحمد الكثيرُ من الحزن؛ فبين عشية وضحاها أصبحت فلذة كبده وردة جثة هامدة في المنزل، بفعل بفاعل في وضح النهار، لكنه يتمسك بالمطالبة بمعاقبة ذلك الفاعل حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه اقتراف مثل هذه الجرائم، وقد يساعد ذلك على التخفيف من محنته، إذا عرف أن الجاني أخذ العقاب الذي يستحق.
المصدر : الجزيرة