مع أنه ليس محسوساً في العلن لحد الآن، فإن السباق نحو الرئاسة قد بدأ في موريتانيا، فلم تعد تفصل «بلد الانقلابات» عن يوم التناوب المنتظر على السلطة الذي لم يحدث قط إلا بانقلاب عسكري، سوى شهور قليلة أقل من خمسة، ليتوجه الموريتانيون لصناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد غير الرئيس الحالي، حسب الدستور.
وبالنظر لاقتراب إغلاق باب الترشحات، فقد دخل المشهد السياسي الموريتاني في خضم المعركة وأطلق كل فريق خيوله في ميدان سباق ينتظر أن يكون من أشرس ما مرت به موريتانيا منذ دخولها الديمقراطية عام 1991.
ولم يعد للفاعلين السياسيين الموريتانيين من شغل سوى الحديث عن المرشحين، وبالذات عن مرشح الرئيس ولد عبد العزيز الذي هو في الوقت نفسه مرشح المؤسسة العسكرية.
وعلى هذا الإيقاع انطلقت، وإن بشكل خفي، حمى التحالفات بين المرشحين المحتملين ورؤساء القبائل الذين يملكون أصوات «رعاياهم»، وانطلقت التكهنات حول قائمة مرشحي السلطة الحالية، فيما تواصلت شكوك المعارضة، واستمر الموريتانيون في التلهي بحلمهم بعيد المنال، برئيس جديد ونظام آخر جديد يحكمهم في عهد جديد، مع أن الرئيس ولد عبد العزيز وأنصاره يعتبرون أن السلطة ستظل بأيديهم، فالرئيس ولد عبد العزيز سيترك كرسي الرئاسة لكنه لن يترك الحكم.
لقد تمكن الرئيس ولد عبد العزيز من الاحتياط لخلافته، حيث سمحت له المؤسسة العسكرية بتنصيب خلصانه في أهم المواقع، فصديقه الشخصي العقيد الشيخ ولد بايه يرأس البرلمان، ومحمد سالم ولد البشير يرأس الحكومة، ورفيق دربه الجنرال غزواني يمسك وزارة الدفاع.
وتشتعل في هذه الأثناء الإشاعات والتكهنات كلما اقترب تاريخ إغلاق الترشحات المقرر في إبريل/نيسان من العام المقبل.
ولم تدفع التكهنات المتواصلة ولا الإشاعات الملتهبة، مع ذلك، الرئيس ولد عبد العزيز للإفصاح عن أكبر سر ينتظره الموريتانيون، ألا وهو مرشحه لانتخابات 2019.
وتؤكد صحيفة «كلام»، أعرق الصحف الموريتانية، «أن السبب في الإبقاء على سرية مرشح السلطة هو الخوف من حدوث اضطرابات في صف الأغلبية، أو الخوف من إقبال الجميع على المرشح الجديد قبل أن ينتخب، حيث جرت عادة السياسيين الموريتانيين الانجراف السريع الكلي حول من يحكم، أياً كان».
وتضيف: «الرجل (ولد عبد العزيز) يعرف براعة الموريتانيين في المجال، وهو بعدم إفصاحه عن مرشح السلطة، يحتاط لنفسه ولمشروعه، فالموريتانيون ذاكرتهم قصيرة ويمكنهم تغيير ولاءاتهم بسرعة؛ ألا نتذكر جميعاً مسيرات التأييد للرؤساء معاوية وولد هيداله؛ فالرئيس عزيز يعرف التعامل مع المشهد السياسي الوطني لأنه خبر الساحة وأهلها ولأنه يعرف كل شيء عنها». لم يخف الرئيس ولد عبد العزيز برنامجه لفترة ما بعد مغادرته للسلطة، فقد أكد في تصريحات أخيرة له «أنه سيغادر الرئاسة احتراماً للدستور، لكنه سيظل يرأس حزبه الذي يتوفر على أغلبية برلمانية أي أنه سيظل ممسكاً بالسلطة». وسبق للرئيس عزيز أن قال: «لن أترك الرؤساء القادمين يحطمون ما أنجزته، فقد أخرجت موريتانيا من عنق الزجاجة».
لكن الأهم في كل هذا هو أن يفصح ولد عبد العزيز عن خلفه: فهل هو الجنرال غزواني أم شخص آخر؟
إن غالبية الموريتانيين متعطشون اليوم لمعرفة رئيسهم القادم وللتأكد من أن الرئيس الحالي مغادر بالفعل وفقاً للدستور أم أنه باق بالفعل.
وكما أخفى الرئيس خلفه، تخفي المعارضة الموريتانية اسم مرشحها الموحد، مع أن رئيسها الدوري محمد ولد مولود أكد مراراً في تصريحات أخيرة له «أن الأمور تتحرك بشكل إيجابي لصالح التغيير».
«القدس العربي»