تابع الرأي العام الموريتاني، أمس، انشغاله بالمواجهة المتجهة للتصعيد، بين نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وإسلاميي حزب التجمع، وهي المواجهة التي فجرها إغلاق السلطات لمركز تكوين العلماء الذي تؤكد السلطات الأمنية أنه مؤسسة تابعة للحزب وأن رئيسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو هو الأب الروحي لإخوان موريتانيا.
وزادت إجراءات غلق مركز العلماء من تعاطف العموم مع الإسلاميين الموريتانيين، حيث تواصلت أمس تدوينات تسفيه قرار غلق المركز وتبرئته وتبرئة القائمين عليه، بل وتبرئة حزب التجمع «تواصل» من التطرف والغلو.
وأعلنت المعارضة الموريتانية بجميع أطيافها عن وقوفها إلى جانب حزب التجمع، حيث أكدت في بيان وزعته أمس «أن حزب «تواصل» بشكل خاص، برهن على منهجه السلمي ورؤيته الديمقراطية في أكثر من مناسبة، وشهد شركاء البلاد التنمويون على مكانة هذا الحزب بوصفه ركنًا مكينًا من أركان الديمقراطية الموريتانية، وشهدوا للقائمين عليه بالمسؤولية والمسالمة والبعد عن العنف والإرهاب قولًا وفعلًا. وسبق للرئيس محمد ولد عبد العزيز، يضيف البيان، أن أقر لهم بذلك على رؤوس الأشهاد فما الذي اكتشفه اليوم في هذا الحزب أو غيره مما لم يكن يعرفه؟ يتساءل تجمع المعارضة.
وذهبت المعارضة الموريتانية لأبعد من ذلك حيث أكدت في بيانها «أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز تعرض في مؤتمره الصحافي الأخير للنيل من أحزاب سياسية وشخصيات وطنية حيث وصفهم بعبارات غير لائقة، وتهديدات مرفوضة، وافتراءات لا تخدم أمن البلاد واستقرارها، بل تضر بسمعتها ونموها ضرارًا بالغًا».
«فمما يعلمه القاصي والداني، تضيف المعارضة، أن الأحزاب المكونة لتحالف المعارضة الديمقراطية ومن بينها حزب «تواصل»، أحزاب مسؤولة تضع في مقدمة اهتمامها العناية بأمن البلد واستقراره، ولم تقبل هذه الأحزاب أبدًا الانجرار إلى دائرة العنف، رغم الاستفزازات المذكورة التي تعرضت لها».
«إن تحالف المعارضة الديمقراطية، يضيف البيان، ليؤكد إدانته القوية لسياسة التهديد وتلفيق التهم الباطلة ضد الخصوم السياسيين، كما يؤكد على وحدة تحالف المعارضة ووقوفه صفًا واحدًا ضد التهديدات الموجهة لحزب «تواصل»، فالمعارضة جسم سياسي واحد، ولا مجال للاستفراد بطرف منها دون غيره».
وأكدت المعارضة الموريتانية «رفضها لاستمرار التحجير على حريات القادة والناشطين السياسيين من الشيوخ والنقابيين والصحافيين والإغلاق التعسفي لمعهد تكوين العلماء»، محذرة «الجميع من مخاطر التصعيد وتهديد أمن البلاد واستقرارها، لا لشيء إلا من أجل خلق جو مشحون يضع مستقبل البلاد في مهب الريح».
ولم تتراجع السلطات الموريتانية عن قرارها الخاص بإغلاق مركز العلماء، كما أنها لم تقدم لحد يوم أمس توضيحات عن أسباب الإغلاق التي دعا نشطاء المعارضة وأنصار حزب التجمع لتقديمها للرأي العام.
وشدد الشيخ محمد الحسن ولد الددو الموجود حاليًا في تركيا، التأكيد في تصريح له أمس على «أن إقدام السلطات الموريتانية على إغلاق المركز هو تصرف خارج القانون»، رافضاً «أي تهمة قد تلفق ضد المركز أو القائمين عليه».
وأضاف «أن مركز العلماء يعمل مثل غيره من المحاظر الموريتانية، مقدمًا الدروس لأزيد من 500 طالب، كما يتولى التدريس فيه خمسة وأربعون من كبار العلماء الموريتانيين، ويؤمه الطلاب من مختلف أرجاء العالم».
وقال «أن المركز لا علاقة له بأي دولة ولا بأي حزب ولا بأي تنظيم، ليست له أي أعمال أخرى يقوم بها، فعمله مقصور ومحصور على تعليم الناس شريعة ربهم»، حسب تعبيره.
واتسعت مواقف التضامن مع مركز العلماء في حادثة سحب ترخيصه، حيث أكدت هيئة علماء فلسطين في الخارج «أن تهم الإرهاب الموجّهة إلى مركز تكوين العلماء لا يمكن لأحدٍ أن يصدّقها».
ودعت في بيان وزعته أمس «الرئاسة الموريتانية للتراجع عن قرار سحب ترخيص المركز، مشددة على أنه «لا يصبّ في مصلحة موريتانيا واستقرارها».
وشددت الهيئة على أن «المركز وأمثاله من مؤسسات العلم الشّرعي التي تتبنّى الخطاب الإسلاميّ الوسطيّ البعيد عن انتحال المبطلين وتحريف الغالين؛ هو ضمانةٌ حقيقيّةٌ لحفظ المجتمعات من الغلوّ والتّطرّف، وهذا يوجب الحفاظ على هذه المؤسسات ودعمها لا إغلاقها».
ولفتت التي تضم علماء فلسطين في الخارج النظر إلى أنها «عرفت المركز ورئيسه والقائمين عليه روّادًا للوسطيّة في العالم الإسلاميّ، وهو مركزٌ علميّ شرعيّ يمثّل منارةً معرفيّةً، ومفخرةً لموريتانيا وشعبها الكريم الأصيل».
وأكدت الهيئة أن «أيّ صراعٍ من هذا النّوع يصبّ في صالح أعداء الأمّة وفي مقدّمتهم الكيان الصّهيوني»، لافتة إلى أنها تلقت «ببالغ الاستغراب أنباء إغلاق مركز تكوين العلماء في موريتانيا الشّقيقة، وسحب ترخيصه بقرارٍ من الرئيس الموريتانيّ»، معلنة تضامنها «الكامل مع إخواننا العلماء في المركز وعلى رأسهم العلّامة الشّيخ محمّد الحسن ولد الدّدو الشّنقيطي مؤسّس المركز ورئيسه».
وتحت عنوان «ما وراء إغلاق مركز تكوين العلماء في موريتانيا»، دخلت الكاتبة الأردنية التركية إحسان الفقيه على الأزمة التي يمر بها إسلاميو موريتانيا في مواجهة حكومتهم، حيث أكدت في مقال لها أمس «أن السبب في إغلاق المركز هو عدوى الاستبداد الذي هيمن على الأمة، حين أحكمت الأنظمة الديكتاتورية قبضتها على البلاد والعباد وانطلقت من واقع التبعية للغرب والخوف على العروش لضرب كل فكرة إسلامية مستقلة فردًا أو جماعة أو مؤسسة أبت الدوران في فلك مصالح الحكام والتطبيل لهم وتبرير استبدادهم».
وأضافت: «لا تأخذنكم الدهشة لإغلاق هذا الصرح العلمي، فمؤسّسه والقائم عليه هو الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، وما أدراكم من هو الددو؟
هو العالِم الذي دعم ثورات الربيع العربي وأيد حقوق الشعوب في التظاهرات السلمية ولم يعتبرها كعلماء السلطان خروجًا على الحاكم، وأسقط شرعية الأنظمة الجائرة المحاربة لشريعة الله وعباده».
وتابعت الكاتبة: «الدول التي تنفق المليارات على إجهاض ثورات الربيع وملاحقة الإسلاميين في كل مكان وإسقاط الأنظمة الديموقراطية، هي ذاتها التي أوعزت إلى النظام الموريتاني بتجفيف منابع العلم والدعوة لمنع إنتاج المئات والآلاف من أمثال الددو الشنقيطي».
«البعض، تقول إحسان، يظن أن النظام أغلق مركز تكوين العلماء الذي يترأسه الشيخ على خلفية صدعه بالحق، حيث عارض قول الرئيس الموريتاني «الكيان الصهيوني أكثر إنسانية من الإسلام السياسي»، لكن الراصد لواقع تعامل النظام الموريتاني مع الإسلاميين وتصريحاته الأخيرة التي تحمل تهديدات صريحة للتيار الإسلامي يدرك أن الأمر دُبّر بليل، وأن هناك نية مُبيتة لتجفيف ذلك المنبع العلمي».
«القدس العربي»