معبر الجزائر وموريتانيا... بحث عن أسواق جديدة وتكامل مع المغرب

21 أغسطس, 2018 - 17:45

لم يمر فتح معبر حدودي بين الجزائر وموريتانيا من دون أن يثير الانتباه في المغرب، الذي يرى مراقبون في ذلك الحدث محاولة لمنافسة معبر "الكركرات" بين المملكة وموريتانيا، وفي المقابل أكدت الجزائر أن الخطوة تستهدف فتح أسواق جديدة وتحريك تجارتها مع نواكشوط.

ونجحت كل من الجزائر وموريتانيا في تجاوز الخلافات التي طبعت العلاقات بينهما في السنوات الأخيرة، وفتحا لأول مرة معبراً حدودياً بينهما للرفع من التبادل التجاري وتطوير حركة النقل بين البلدين، في خطوة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية عديدة.

ويربط المعبر البري الذي افتُتح يوم الأحد الماضي، مدينتي "تندوف" الجزائرية و"الزويرات" الموريتانية، ويأتي افتتاحه تتويجاً لتوصيات الدورة 18 للجنة العليا المشتركة بين البلدين التي انعقدت في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016 في الجزائر العاصمة.

وفي مايو/أيار الماضي، وافق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رسمياً، على فتح أول معبر حدودي بين الجزائر وموريتانيا، بعد اتفاق وقعته حكومتا البلدين نهاية 2017.

وأعلن وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، عقب افتتاح المعبر، عن إطلاق خطة مشتركة مع موريتانيا لتنمية المناطق الحدودية بين البلدين، في إطار الاندماج والتكامل المغاربي. 

وقد عبر وزير الداخلية الجزائري عن "أمله" في أن يكون هذا المعبر "فاعلاً في التكامل والاندماج المغاربي" بما يخدم البلدين والمنطقة.

ولا يمثل التبادل التجاري بين البلدان المغاربية الخمسة سوى 4.8% من مجموع مبادلاتها التجارية، ويرى البنك الدولي أنها لا تمثل سوى 2 % من الناتج الإجمالي المحلي. 

وظلت المبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا محدودة عبر الحدود البرية، حيث ينشط التهريب بمنطقة تندوف التي تأوي جبهة البوليساريو التي تنازع المغرب حول الصحراء.

ويأتي هذا التطور لينهي قرابة سنتين من التوتر والفتور وصلا إلى حدّ القطيعة في العلاقات الديبلوماسية بين الجزائر وموريتانيا، وذلك بعد قرار نواكشوط طرد المستشار الأول بالسفارة الجزائرية بنواكشوط بلقاسم الشرواطي قبل سنتين، وهو ما استقبلته الجزائر بنوع من الغضب والسخط، لتردّ من نفس الباب، وذلك بطرد أحد الديبلوماسيين بسفارة موريتانيا بالجزائر.

وحسب الناطق باسم الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة محمد رضواني لـ "العربي الجديد" فإن "افتتاح المعبر يعد نقطة تحول كبيرة بالنسبة للبلدين لا تقتصر على مجرد التبادل والتواصل الثنائي بل يأتي كاستجابة لحاجة البلدين على كافة الأصعدة والمستويات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية".

وأضاف رضواني أن "المعبر تريده الجزائر كبوابة لها نحو دخول أسواق دول غرب أفريقيا، والأهم من ذلك سيكون للجزائر منفذ بحري على المحيط الأطلسي حسب ما تم الاتفاق عليه بين البلدين".

وكشف المسؤول بالغرفة التابعة لوزارة التجارة الجزائرية أن "الهدف الأول بالنسبة للجزائر من وراء فتح المعبر الحدودي مع موريتانيا هو الاستحواذ على السوق الموريتانية التي تسجل احتياجات كثيرة فيما يتعلق بالمنتجات الصناعية والزراعية، وذلك قبل التوجه جنوباً نحو دول غرب القارة كالسنغال وغينيا بالإضافة الى سيراليون وليبيريا وساحل العاج".

وفي ظل ما تعيشه منطقة المغرب العربي من خلافات بين الجزائر والمغرب بسبب القضية الصحراوية أساساً، يربط الكثير من الخبراء فتح المعبر الحدودي بين الجزائر وموريتانيا بالحرب الديبلوماسية القائمة بين الجزائر والرباط، حيث نجح المغرب في عزل الجزائر من الجهة الغربية، بعد إعلان موريتانيا أن حدودها مع الجزائر منطقة عسكرية تحت ضغط من الرباط قبل سنتين.

وإلى ذلك يقول الخبير الاستراتيجي إسماعيل بلمام لـ"العربي الجديد" إنه "يصعب إنكار عدم وجود علاقة بين التقارب بين الجزائر ونواكشط وبين الخلاف القديم الجديد بين الجزائر والرباط، فالجزائر استغلت توتر العلاقات بين المغرب وموريتانيا مؤخراً، كما تحفظت السلطة الموريتانية على بعض النقاط في الملف الصحراوي لتضغط من أجل فتح معبر بري سيزيد من عزلة المغرب".

وأضاف الخبير الجزائري أن "الجزائر تعتبر فتح معبر حدودي مع موريتانيا فوزاً دبلوماسياً أكثر منه اقتصادياً خاصة وأن أغلب حدودها كانت مغلقة بسب تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا والنيجر ومالي".

وكانت وسائل إعلام جزائرية، ذهبت عند الإعلان، عن اتفاق البلدين حول المعبر، إلى أن موريتانيا تتطلع إلى تقليص ارتهانها للمعبر الحدودي مع المغرب.

ويرى مراقبون مغاربة أن هذا يتوافق مع مشروع جزائري قديم يراد من ورائه عزل المغرب جغرافياً، بإغلاق حضوره في الجنوب، حيث تصبح المملكة مجرد جزيرة. ويعتبرون أن خطة عزل المغرب، التي يراد إتمامها بخلق دولة بالصحراء، ستحقق هدفاً استراتيجياً للجزائر بالحصول على منفذ نحو الأطلسي.

ولكن في المقابل يرى محللو اقتصاد أن العلاقات التجارية بين المغرب وموريتانيا قوية ولا يمكن للجزائر أن توفر لنواكشوط احتياجاتها الكبيرة. وأضحت الحدود المغربية - الموريتانية، عبر مركز "الكركرات"، معبراً للسلع الغذائية، والنسيج والتجهيزات الكهربائية، كما أصبحت ممراً للسياح والمسافرين.

وتفصل أكثر من أربعة كيلومترات بين بوابة الكركرات والحدود الموريتانية. وتقع على بعد 370 كيلومتراً من مدينة الداخلة، و1500 كلم من مدينة أكادير. واعتبر مدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، ثابت ديدي ولد السالك، في تصريح صحافي سابق، أن فتح معبر جديد بين الجزائر وموريتانيا، لا يمكن أن ينعكس على المعبر الحدودي بين موريتانيا والمغرب.

وأوضح ولد السالك، أن الجزائر لا يمكن أن تعوض المغرب، فيما يتصل بتزويد السوق الموريتانية بالسلع الغذائية، خاصة الخضراوات والفواكه.

ويؤكد مصدر مغربي مطلع، أن الجزائر التي توفر أغلب حاجياتها من السلع الغذائية عبر الاستيراد، لا يمكن أن تنافس المغرب في توفير الاحتياجات لموريتانيا.

وتدعم بيانات مركز إحصاءات موريتانيا هذا التصور، فالمغرب يمثل حوالي 48% من مجمل مشتريات موريتانيا من أفريقيا.

واستوردت موريتانيا من المغرب، حسب بيانات النصف الأول من العام الماضي، الخضراوات والفواكه والمنتجات الغذائية.

ولم تتجاوز مشتريات موريتانيا من الجزائر في تلك الفترة 15.8% من مجمل وارداتها و8.9% من جنوب أفريقيا.

ويعتبر المركز حدود الكركرات، المعبر البري الوحيد للمغرب الذي يصله بأفريقيا، على اعتبار أن الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ 1994.

العربي الجديد