أحَدَثَ حِزب العُمّال البرازيليّ انقلابًا في الحَياةِ السِّياسيّة في البِلاد عندما قرَّر تَرشيح زَعيمَهُ التَّاريخيّ المَسجون لولا دا سيلفا لخَوض الانتخابات الرئاسيّة القادِمة في الأوّل من تِشرين الأول (أكتوبر) المُقبِل قَبل ساعاتٍ مِن إغلاقِ أبوابِ التَّرشيح.
لولا دا سيلفا الذي يُوصِف بأنّه “أبو اليَسار” يَتقدَّم في استطلاعاتِ الرأي على جَميع خُصومِه، بمسافَةٍ كبيرةٍ، ويُؤكِّد أنّ سَجنَهُ بتُهمَة الحُصول على شَقَّةٍ من ثَلاثِ غُرَفٍ مُقابِل تَسهيل صَفقات لشَرِكَة بِناء لمُدَّة 12 عامًا كانَ حُكمًا ظالِمًا ومُفَبركًا، ويَنفِي التُّهمَة عن نَفسِه بشَراسَة.
اللَّجنة الدوليّة لحُقوق الإنسان أكَّدت على حَق لولا دا سيلفا في خَوضِ الانتخابات مُمَثَّلاً لحِزبِه، وكذلك التَّمتُّع بالظُّهور في وَسائِل الإعلام لشَرح برامِجه الانتخابيّة، ولكنّها رَفَضت الإفراجَ عنه، لأنّ هَذهِ مَسـألَةٌ قَضائيّةٌ صِرفَةٌ.
دي سلفا الذي بَدأ حياته ماسِح أحذِيَة، ولم يَكُن في بَيتِه ثلاجة، أو جِهاز تَلفَزة لسَنوات، تَعرّض وحليفته ديلما روسيف لمُؤامرةٍ تَقِف خلفها مافيات الفَساد ورِجال الأعمال الذين تَدعمهُم أحزاب اليَمين والوِلايات المتحدة الأمريكيّة، لأنّهُما انحازا للفُقَراء والمُعدَمين، وحَقَّقُوا مُعَدَّلات تنمية اقتصاديّة عالِية وجَعَلا من البرازيل قُوّةً اقتصاديّةً جبّارةً رُغم الحَرب الاقتصاديّة الشَّرِسَة التي خاضَتها أمريكا ضِدَّهُمَا.
مَصير ترشيح دا سيلفا باتَ في يَد المَحكمةِ العُليا، وصُدور حُكمٍ نِهائيٍّ بعَدم أهليّته للتَّرشُّح سيَقضِي على كُل آمالِه وعَشَرات المَلايين من أنصارِه في العَودةِ إلى سُدَّةِ الرِّئاسة.
يُذَكِّرنا “أبو الفُقَراء” لولا دا سيلفا بعَميد الأسرى الفِلسطينيين مروان البرغوثي، وقَبلِه الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، الذي خَرَج من السَّجن إلى رِئاسَة الدَّولة والتَّوصُّل إلى تَسويةٍ تاريخيّةٍ أنهَت حُكم البِيض العُنصُريِّين في جَنوب أفريقيا.
الشَّعب البرازيليّ، أو القِطاع الأعرَض مِنه على وَجه الخُصوص، يُريد عَودته إلى السُّلطة، بَعد تدهور أحوال البِلاد الاقتصاديّة واستفحالِ الفَساد، وبَدأت المَسيرات الضَّخمَة تَجتاح شَوارِع العاصِمة، والمُدُن الأُخرَى المُطالِبة بالإفراجِ عنه، ولكن دَولة الفَساد الحاكِمة تَستَخدِم عَضَلاتها الماليّة والبوليسيّة للحَيلولةِ دُونَ ذَلِك.
هَذهِ الشَّعبيّة الكَبيرة لرئيسٍ سابِق يَقبَع خَلف القُضبان هي استفتاءٌ على نَزاهَتِه، وحجم الظُّلم الذي لَحِقَ بِه، وسُوء الطَّبَقةِ الحاكِمة حاليًّا في البرازيل التي تَأتَمِر بأمْر الوِلايات المتحدة الأمريكيّة وتَتبنَّى سِياساتِها.
إنّه جِيلٌ من القادَةِ اليَساريين الذين تَحَدُّوا الهَيمَنة الأمريكيّة، ووقَفوا ضِدّها، وانحازوا إلى الطَّبقةِ العامِلة المَسْحوقةِ، مِثل هوغو شافيز (فنزويلا) وموراليس (بوليفيا)، ولولا دا سيلفا (البرازيل)، وأخيرًا خوسية موخيكا (الأُورغواي)، الذي رَفَض راتبه التَّقاعُديّ مُؤَخَّرًا، وتبرّع بأكثَر من 80 بالمِئة من راتِبِه للفُقَراء عندما كان في السُّلطة، ويَعيش حاليًّا في بيت زوجته المُتَواضِع جِدًّا، ولا يَملُك من الحياة إلا سَيّارة فولكس فاغن مُتهالِكهة موديل عام 78.
لولا دا سيلفا وقف، وحليفته روسيف مع القَضايا العَربيّة، وعارَضا الغَزو الأمريكيّ للعِراق بشِدَّة، واعتَرَفا بحَق الشَّعب الفِلسطينيّ في تَقريرِ المَصير وإقامَة دولته المُستَقِلَّة، ولهذا جَرى فَبرَكة التُّهَم لَهُما من حُلَفاء أمريكا وإسرائيل وإخراجُهُما من السُّلطة.
هل يَفعَلها “لولا” مِثلَما فعلها مهاتير محمد في ماليزيا، ويعود إلى الرِّئاسة ويَتولَّى تَطهير بِلادِه من الفَساد والفاسِدين؟
نَتَمنَّى ذلك.
“رأي اليوم”