عاد الجدل حول الهدنة أو «المتاركة» بين موريتانيا وتنظيم القاعدة للواجهة، أمس، داخل مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أعلن الجيش الموريتاني عن وقوع «اشتباك بين إحدى دوريات منطقته العسكرية الثانية، صباح الجمعة العاشر أغسطس 2018 ، مع عنصر معادٍ متسلل في نقطة تقع بأقصى الشمال الشرقي من الحدود المالية الموريتانية».
وأكد البيان «أن الاشتباك أسفر عن مقتل اثنين من المهاجمين وجرح آخرين، فيما أصيب جنديان نقلا لتلقي العلاج، وتم الدفع بتعزيزات من القوى البرية والجوية الموريتانية لتمشيط المنطقة».
وقد زاد من حدة الجدل أن أي جهة، لا تنظيم القاعدة ولا غيرها، لم تتبن لحد ظهر أمس هذا الهجوم، ما جعل مدونين موريتانيين كبارًا يشككون فيه، مع أن وفدًا من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قد تفقد الجرحى في المستشفى العسكري، لكن في الوقت نفسه منع وفد من حزب التكتل المعارض من زيارة الــجرحى. وكان الكاتب والمحلل السياسي الشهير الدكتور أبو العباس ابرهام في مقدمة من دونوا عن الحادثة، فقد أكد في إدراج له أمس «أنه بخصوص عودة القلاقل ما بين جنرالات موريتانيا والقاعِدة، فإنّ أغلب المُحلِّلين لا يعرف وجه الهُدنة التي حلّت بين الطرفيْن منذ معركة حاسي سيدي في ومحاولة 2012، حيث حاولت القاعِدة القيام fتفجير مدو في النعمة ونواكشوط».
وأضاف : «يعتقِد المُحلِّلون الموالون للنظام أنّ استراتيجيتَه في مقاومة الإرهاب قد نجحت (مع العِلم أنّ جلّ العمليات الإرهابيّة قد وقعت في عهد هذا النِّظام)، بينما يميل بعض الدّارسين إلى التظليل على استراتيجيات أخرى منها جنوح الجنرال عزيز للسلم ودفعه الجزية للقاعِدة». «وما يهمس به هنا، يضيف أبو العباس، هو أنّ الجنرال عزيز وبلّعور اتفقا على حلب المانِح الدّولي: نصف للجنرال يُشغِل به جيشَه ونِصفٌ لأخيه بلّعور، دون أنْ ننسى النصف الآخر للذئب (الصناديق السوداء والجيوب الحمراء)، ويُحيل دارسون آخَرون إلى أنّ موريتانيا لم تعد نموذجًا مرفوضًا من القاعِدة، فقد تمّت أسلفة المحاظِر وسُمِح بالعبور الآمن للقاعِدة كما يقوم الجنرال عزيز بأسلمة طرديّة، بما فيها إعادة العمل بقوانين الردّة والصّلب وقريبًا قوانين الحرابة».
وأضاف: «لكن لماذا عادت الجماعات العسكرية إلى استئناف هجماتِها على موريتانيا؟ حريٌّ بالذكر أنّ القاعِدة أنهت هدنتها في بيان في مايو المنصرِم وأتبعتها بطلقات تحذيريّة أمس، ما يعني أنّ المواجهة قادِمة، ما لم تُعد الهُدنة وأداء الجزية».
وتابع أبو العباس تحليله قائلًا: «لا نمتلِك إلى حدِّ الآن أجوبة شافيّة، ولكن هاكَ محاولات: كان علي عبد الله صالح يتلقّى دولارات أميركية في مشروع مكافحة الإرهاب في 2001، حوالي 200 مليون دولار سنويًا، ولمّا انتهى المشروع وانتهت العائدات غضب صالح وسمح للقاعِدة بتدمير السجون والهروب منها فعادت الأسلحة والأموال واقتسم صالح الأموال مع إخوتِه.»
ولعلّ ما يفعله جنرالات موريتانيا، يضيف أبو العباس، لا يعدو، أولًا، إفساد الأمان الذي أقاموه في الحومة حتّى يحتاج الغرب للرجُل القوي مرّةً أخرى، بما فيه الاستثناءات الدستورية لهذا الرجل القوي؛ أو ثانيًا، للضغط من أجل زيادة العوائد؛ أو، ثالثًا، إنهاء حالة السِّلم بانتهاء مأموريتِهم، انتقامًا من كلٍّ من الشّعب والمانحين؛ والله أعلم». وجاء تعليق المدونة المعارضة خديجة سيدينا ليتوقف أمام توقيت الاشتباك، فكتبت تقول: «عودتنا المنظمات الإرهابية ألا تهاجمنا إلا لسبب، وكنا كل هذه الفترة في مأمن من هجومها، ما جعل الكثيرين يعتقدون بوجود اتفاقية بيننا معهم، فما الذي استجد في هذا التوقيت؟ على مدى المأمورتين الماضيتين لم يهاجمونا، وفى آخر المأموريات، وفي وجه استحقاقات انتخابية كان الهجوم، حقًا وراء الأكمة ما وراءها».
ثم كان أن علق الصحافي الشيخ بكاي على تدوينه خديجة كاتبًا: «نحن نشك في كل شيء ونؤول كل شيء، ونحن معذورون في ذلك، لكن الأمر الآن واضح: نحن نقود قوة الساحل، وأصبحنا طرفًا فاعلًا في الحرب على الجماعات المتشددة؛ نرجو السلامة». يذكر أن الحكومة الموريتانية قد نفت بشدة إبرامها لأي هدنة مع تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، حيث أكد محمد الأمين ولد الشيخ الوزير الناطق باسمها، في تصريحات له حول هذا الموضوع: «أن سنة 2010 التي حددتها الوثائق المسربة تاريخًا للهدنة، شهدت مواجهات مشهورة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة، بينها إرسال تنظيم القاعدة سيارات محملة بالمتفجرات إلى نواكشوط فجرت إحداها على مشارف العاصمة».
وجاء تقرير نشر أمس لمركز مكافحة الاٍرهاب التابع لأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الأمريكية، ليطرح على طاولة التحليل قضية توقف الهجمات الإرهابية على موريتانيا، وليحشر كمًا هائلًا من المعلومات التي جمعت عن نشاط القاعدة في الساحل وفي موريتانيا بخاصة.
وأعاد التقرير ما قام به مكتب الأمن القومي الأمريكي عام 2016 بخصوص رفعه السرية عن رسالة كانت بين وثائق وجدت في حوزة أسامة بن لادن في المجمع الذي قتل فيه في باكستان».
«هذه الرسالة واردة من زعامة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يضيف التقرير، تطلب فيها الرأي من قيادة القاعدة حول جواز صلح مع الحكومة الموريتانية تشرح الرسالة أهميته لكون القاعدة ستترك بعض كوادرها يتحركون بحرية داخل الأراضي الموريتانية فيما تتفرغ للجزائر، وستوقف الهجمات على موريتانيا، وبالمقابل تدفع الدولة الموريتانية ما بيم 10-20 مليون يورو سنويًا طالما بقي الاتفاق جاريًا».
وتابع: «مع أن معلومات استخبارية تفيد بأن الاتفاق نوقش داخل دوائر القاعدة في منتصف 2010، فليست هناك معلومات أكيدة عن قبول القاعدة الأم بالاتفاق ولا عن اتفاق حصل بين نواكشوط والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الأكيد هو أن الهجمات توقفت تمامًا عن موريتانيا، بينما تصاعدت حدتها في الجارة مالي وتسببت بفوضى في الشمال المالي، غذته كميات الأسلحة الكبيرة والرجال القادمون من ليبيا، ولم تعد القاعدة في بلاد المغرب هي اللاعب الوحيد وإنما تعددت الجماعات الجهادية اللاعبة في المجال، من أنصار الدين، لحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، إلى «المرابطون»، إلى جبهة تحرير ماسينا. وفي عام 2017 التأمت كل هذه المجموعات تحت مظلة واحدة سموها «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، تحت شعار «علم واحد، جماعة واحدة، أمير واحد».
«القدس العربي»