يرى الكثير من المهتمين بالحقل الصحافي في موريتانيا أنّ طبيعة المنشورات التي يُحدّث بها الصحافيون حساباتهم على منصات "فيسبوك" و"تويتر" "تتعارض مع أخلاقيات المهنة"، ويتساءلون هل يتم فعلاً استخدام هذه المواقع كمنصّة للتعبير والتواصل الشخصي الذي يحق لكل شخص، أم أنها تستخدم كوسيلة للضغط على الرأي العام وتوجيه المتابعين ونشر أخبار لم تسمح المؤسسات الإعلامية بنشرها.
وقد أصبحت صفحات المدونين جزءا مهما في عالم الصحافة، حيث تنبهت وسائل الإعلام المحلية مبكراً لهذه الظاهرة وخصص بعض صحافييها وناشري الصحف صفحاتهم لنشر الأخبار والصور والترويج للمؤسسات التي يعملون بها.
ويقول الصحافي أحمد ولد سيدي إنّ الكثير من الصحافيين يخلطون بين التواصل الشخصي والمهني الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يضعون خطاً فاصلاً بينهما، بل ينقلون خلافاتهم وتوجهات صحافتهم إليها. ويشير إلى أنّ الصحافيين الذين يستغلون أسماءهم ورصيدهم المهني لنشر أخبار غير دقيقة أو التأثير على توجهات متابعيهم غالباً ما يفقدون شعبيتهم بين المتابعين وأيضاً القراء العاديين الذين أصبحوا يصنفون الصحافي حسب توجهاته وما ينشر على موقعه الشخصي.
ويضيف أنّ بعض الصحافيين مجبرون على ذلك من أجل جذب المتابعين وخلق الجدل على صفحاتهم، حيث إنّ بعض المؤسسات أصبحت تقيم الصحافي بعدد متابعيه ونشاطه على مواقع التواصل ومدى قدرته على تحويل صفحته إلى منبر للمؤسسة وامتداد للتواصل الإعلامي لها.
كما أنّ استغلال مواقع التواصل من أجل استقاء المعلومات والأخبار لا يزال يخلق جدلاً واسعاً في موريتانيا بين مؤيد للفكرة باعتبار أنها تمكن الإعلام الموريتاني الذي يعاني من قلة الموارد البشرية والمادية من توسيع تغطيته ونشر الأحداث برواية وتصوير شهود عيان، ورافض لها على اعتبار أن ما ينشر على مواقع التواصل ليس دائماً دقيقاً ولا يمكن نقله للصحف.
وأصبح الكثير من الصحافيين في موريتانيا يعتمدون على مواقع التواصل في عملهم ويجمعون الأخبار المختلفة منها خاصة المتعلقة بالمناطق النائية مما يتسبب مشاكل لا تنتهي بسبب حساسية الوضع في بعض المناطق ورفض القبائل نشر أحداث وصور خاصة عنها، كما تؤثر الأخبار الزائفة وغير الدقيقة التي تستقيها بعض الصحف والمواقع الإخبارية من مواقع التواصل، على مصداقية المؤسسات الإعلامية وتضعف ثقة الجمهور فيها.
غير أنه وبعد كل خطأ تقع فيه الجريدة إثر نقل خبر غير دقيق من مواقع التواصل الاجتماعي، يعود الجدل وبقوة عن ضرورة الامتثال لأخلاقيات المهنة وعدم استخدام هذه المواقع كطريقة للبحث عن المعلومة.
من جانبه، يقول المدير التنفيذي لوكالة الأخبار الموريتانية الهيبة الشيخ سيداتي إنّ لوسائل التواصل تأثيرا مزدوجا على عمل الصحافة المهنية، فمن الناحية الإيجابية ساعدت في توفير المصادر وكسر الحواجز التي كانت تعيق الولوج للمعلومة، كما ساهمت في تقويم عمل الصحافة وتدقيق الأخبار بشكل أسرع مما كان مألوفاً أيام بريد القرّاء، ومن الناحية السلبية زادت من ضعف التدقيق لدى الصحافيين ومن كسلهم ونزوعهم نحو الإثارة المرغوبة في ثقافة المدونين.
ويضيف أنه "أمر طبيعي بل مطلوب أن يعبر الصحافي كمواطن وكمدون على صفحته عن رأيه الشخصي في الشأن العام، وأحيانا يكون ذلك ضد ما ينشر في صحيفته... حيث إن الإعلام الجديد خفف من الضغط على الصحافيين فتحرروا عبر صفحاتهم من قيود المهنية ومن ضوابط السياسات التحريرية ونقلوا أحاسيسهم وأناتهم.. ومع ذلك مطلوب من الصحافي حين يدون أن يبتعد عن الحدية في المواقف وأن يظل تدوينه خادما للحقيقة التي وُجد الصحافيون لخدمتها".
ويؤكد أنه لا يتدخل في طريقة تواصل العاملين بالوكالة على الشبكة الاجتماعية، ويضيف "لست معنيا به ولا أتحمل مسؤوليته ولا أخفي أن تفهم هذا الأمر يواجه صعوبات من قبل بعض المتلقين". من جهة أخرى يؤكد أن نشاط الصحافي على صفحات التواصل أصبح عاملاً مهما في تقويمه الصحافي.
ويقول الصحافي والمذيع الدَّحَّ ولد أمبيريك إنّ ما ينشره الصحافيون يجب أن يراعي التحفظ والحياد الذي يجب أن يؤطر موقف الصحافي من السجال السياسي والفاعلين فيه، هذا لا يعني أن الصحافي ينأى بنفسه ويلتزم حيادا غير مبرر إزاء القضايا الوطنية، التي يُفترض أن تشكل صلب عمله المهني، بمعنى أن الصحافي كما يتناول القضايا الراهنة والسجالية في صحيفته أو موقعه الإلكتروني يمكنه تناولها على صفحات شبكات التواصل، وإن كان الأمر يطرح إشكال الفصل بين الصفة الشخصية والمهنية.
ويؤكد أنه في حالات كثيرة فصلت مؤسسات إعلامية صحافيين لنشرهم آراء ومواقف ترى أنها مناقضة لقيمها وخطوطها التحريرية. ويشير إلى أنّ ما يُنشر على مواقع التواصل يُمكن استغلال الصحافي في الحصول على المعلومة مثلاً الحساب الرسمي لشخصية سياسية أو فاعل اقتصادي أو حقوقي أو نحو ذلك، ويمكن استخدام ما ينشر عليه مصدرًا للمعلومة لأنه منبر رسمي للمعني، لكن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مصدراً للمعلومة يطرح إشكالاً جوهرياً وهو صدقية المعلومة التي هي في الأصل سرُّ وجودها.
ويضيف أنّ "إشكالاً آخر يواجه الصحافي الذي يعتمد على مواقع التواصل للحصول على معلومة، هو هوية الحساب على المواقع الاجتماعية، فمن الصعب وحتى المستحيل أحياناً التأكد من هوية الحساب، وهوية صاحبه وبالتالي فتزكيته وتزكية ما ينشر ينطوي على مجازفة خطيرة".
نقلا عن العربي الجديد