تحي موريتانيا كل سنة "اليوم الوطني للغة العربية" وسط جدل واسع بشأن واقعها في البلاد، والتناقض الصارخ بين نص رسميتها في الدستور، وواقع يكاد يلغيها في العمل الإداري الحكومي مقابل اللغة الفرنسية في التعليم.
وبعد نحو ربع قرن من ترسيم العربية دستوريا، ما تزال الفرنسية حاضرة بقوة في الوثائق والمراسلات الإدارية لمعظم القطاعات الحكومية وثيقة الصلة بحياة الناس مثل الصحة، والمالية، والمؤسسات الخدمية التي تتعاطى يوميا مع المواطن كشركتي الماء والكهرباء.
وتزداد سيطرة الفرنسية في موريتانيا بفعل هيمنتها على المناهج التربوية من حيث ساعات الدراسة، وعدد وطبيعة المواد التي تدرس بها، حيث يقتصر التدريس بالعربية على العلوم الإنسانية، بينما تدرس المواد العلمية بالفرنسية.
تغلغل الفرنسية
ويشكو المواطنون البسطاء والمثقفون على حد سواء من "تغلغل اللسان الفرنسي في الحياة اليومية للموريتانيين، إذ لا يمكن للمرء الاستفادة من أي وثيقة إدارية، أو إجراء معاملة في أغلبية المؤسسات الحكومية دون إتقان الفرنسية" وفق تعبير تاجر في سوق نواكشوط المركزية.
ورغم أن سكان العاصمة وكبريات المدن بدؤوا يألفون التعاطي مع هذا الواقع بحكم التعود، فإنهم يتحدثون بمرارة عما يسببه ذلك لهم من ارتباك.
وتقول فاطمة منت ختار (ربة أسرة) وهي تحمل فاتورة الكهرباء "لست أدري ما في هذه الفاتورة، وقد لجأت إلى أحد الجيران من أجل معرفة مضمونها".
دستورية العربية
ويقول خبراء في حقل التربية إن عوامل تضافرت لوجود هذا الواقع، فقد غابت الإرادة السياسية الجادة لتفعيل المادة الدستورية التي تنص على رسمية اللغة العربية، كما أن الإصلاح التربوي الذي أجري عام 1999 كرّس الفرنسية وأقصى العربية عمليا.
ووفق هؤلاء فإن الإصلاح أعطى سيطرة مطلقة للفرنسية في المناهج التربوية، إذ أن عدد الساعات التي يتعلمها التلاميذ بالفرنسية في مختلف مراحل التعليم تفوق تلك التي يتعلمونها بالعربية.
ويرى مفتش التعليم محمدن ولد التمين أن هناك عاملين "أسهما في هيمنة اللغة الفرنسية، أولهما عدم تدريس المواد العلمية باللغة العربية واقتصار التدريس بها على مواد ثانوية، وثانيهما شعور الآباء بعدم إمكانية حصول أبنائهم على وظائف مهمة في الدولة إذا لم يتعلموا بالفرنسية".
الهوية والسيادة
ويضيف ولد التمين -في حديث للجزيرة نت- أن تمكين العربية يقتضي حتما إعطاء لغة الضاد "مكانة متميزة" في مختلف مراحل التعليم "وإشاعة التعامل بها في الأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة الحيوية".
ويرى رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين عبد الله السالم ولد المعلى أن "واقع اللغة العربية في موريتانيا يستدعي تكاتف الجهود في السلطة وخارجها، ولا بد من اتخاذ إجراءات لتفعيل النص الدستوري بكونها لغة رسمية".
ويقول ولد المعلى (أستاذ تعليم ثانوي ووزير ثقافة سابق) في حديث للجزيرة نت إن "من بين الإجراءات المطلوبة، إصدار قرارات تلزم المسؤولين في الدوائر الحكومية باستخدام العربية في المراسلات والوثائق الموجهة إلى المواطنين".
ويؤكد رئيس أمناء جمعية الضاد الناشطة في مجال الدفاع عن العربية، الشاعر ناجي محمد الإمام، رأي زميله ولد المعلى، ويقول للجزيرة نت "إننا لا نطالب بأكثر من تطبيق نص الدستور، من خلال إصدار نصوص تضمن ذلك، بنصها على وجوب المراسلات والقرارات الإدارية باللغة العربية، وعندها نكرس لغتنا ونحافظ على هويتنا وسيادتنا".
المصدر : الجزيرة "بتصرف"