“هناك موجة استنكار سنؤيدها، وسنستنكر هذا الأمر مع جميع أشقائنا العرب.. لكن بعد ذلك الأمر سيصبح أمرا واقعا، والموضوع أصلاً مش محتاج إعلان، لأنهم كده كده مسيطرين.. بماذا تختلف القدس حقا عن رام الله؟” النقيب المصري أشرف الخولي.
في الوقت الذي أعلن الرئيس فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كشف دافيد د كيرباتريك، DAVID D. KIRKPATRICK، في صحيفة “النيويورك تايمز، The New York Times، أن النظام المصري وافق بشكل ضمني على أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، وأن تكون رام الله عاصمة لفلسطين.
النقيب أشرف الخولي، كما يقول التقرير، هو من عمد إلى “إصدار تعليمات لمقدمي برامج مصريين، تحثهم على إقناع الرأي العام المصري بقرار إدارة ترامب. وبحسب الصحيفة، فقد تحدث أيضا بالتوجيهات ذاتها مع الإعلاميين مفيد فوزي، وسعيد حساسيان العضو بمجلس البرلمان أيضا.
ولعبت البرامج الحوارية المؤثرة التلفزيونية، والعهدة على الصحيفة، دورا محوريا في توجيه وتشكيل النقاش العام في مصر، كما قامت أجهزة الاستخبارات المصرية باطلاع مقدمي البرامج على الرسائل التي سيتم نقلها إلى الجمهور.
وقد استمع النقيب خولي “إلى النصيحة”، كما أن معظم الحاضرين الأخرين في وسائل الإعلام الحكومية والمؤيدة للحكومة في جميع أنحاء العالم العربي التزمت بالصمت أيضا، عن وضع القدس. موقف مثل هذا أمر لا يمكن تصوره قبل عقد من الزمان، كما قال دافيد كيرباتريك.
الخولي النقيب صرح للصحفيين بأن “مصر، شأنها في ذلك شأن جميع إخواننا العرب، ستنكر هذا القرار علنا”! وأشار إلى أنه “علينا إقناع الفلسطينيين بقبول ذلك”، وأن مصر “كان لديها علم بموضوع القدس، وأن المصريين وافقوا على ذلك”.
كما قال إن “الصراع مع إسرائيل لا يشكل مصلحة وطنية مصرية. ويتوجب على الصحفيين بدلا من إدانة القرار، اقناع المشاهدين بقبوله. وأشار إلى أنه يتعين على الفلسطينيين أن يكتفوا برام الله في الضفة الغربية المحتلة أين توجد حاليا السلطة الفلسطينية.
كما تساءل النقيب المصري مرارا وتكرارا في 4 تسجيلات صوتية لمكالماته الهاتفية التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز وأيد صحتها الإعلامي عزمي مجاهد: “بماذا تختلف القدس حقا عن رام الله؟”.
من مقتطفات بعض التسريبات الحساسة، ننقل تفاصيل المحادثة التالية:
الخولي: “أريد أن أقول لكم ما هو موقفنا العام، أنا أقول لك ما هو موقف جهاز الأمن القومي في مصر، وما يمكن أن تستفيد منه في هذه المسألة من إعلان القدس لتكون عاصمة لإسرائيل، حسنا؟”، هكذا بدأ الخولي محادثته مع حساسين.
الإعلامي حسياسين: “أعطني أوامرك، يا سيدي. أنا تحت أمرك”.
الضابط الخولي: “نحن مثل كل أشقائنا العرب يجب أن نندد بهذه المسألة”. وأضاف: “بعد ذلك، سيصبح هذا أمرا واقعا. ولا يمكن للفلسطينيين أن يقاوموا، ولا نريد أن نذهب إلى الحرب. لدينا ما يكفينا من مشاكل كما تعلم..النقطة الخطيرة بالنسبة لنا هي قضية الانتفاضة. الانتفاضة لن تخدم مصالح الأمن القومي المصري، لأنها ستعيد إحياء الإسلاميين وحماس. حماس ستولد من جديد مرة أخرى”. وتابع: “في نهاية المطاف، فالقدس لن تختلف كثيرا عن رام الله مستقبلا. ما يهم هو إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني”.
وتعهد جميع الإعلاميين الثلاثة بالاستجابة لمطالبه وبنقل رسالته، وردد البعض ما طلب منه تحديدا في مكالمته مع الخولي في برنامجه على الهواء مباشرة، مثل الإعلامي مجاهد.
كما خاطب الخولي مقدم برامج بقوله:
“عليك أن تقول إن تميم وقطر لديهم ارتباطات سرية مع إسرائيل. وأنت تعرف كل ذلك”.
ليرد عليه السيد مجاهد قائلا: “ارتباطات واضحة. يسعدني ذلك. يسعدني ذلك. سأضيف ذلك في الحلقة القادمة، إن شاء الله.
وتقول الصحيفة أنه على مدى عقود، “انتقدت دول عربية قوية مثل مصر والسعودية علنا معاملة إسرائيل للفلسطينيين، في حين أنها تقبل بشكل خاص باستمرار احتلال إسرائيل للأراضي وباستيطانها.
ولكن تحالف الأمر الواقع ضد خصوم مثل إيران والإخوان المسلمين ومسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” وثورات الربيع العربي، يقول التقرير، كل ذلك “يدفع القادة العرب إلى تعاون أوثق مع عدوهم اللدود، ويضعهم في تناقض بين تصريحاتهم المعلنة والسرية.
الباحث في المنطقة في جامعة ميريلاند ومؤسسة بروكينغز، شبلي تلحمي، Shibley Telhami، وصف قبول الدول العربية القرار بـ”المتغير”! وقال “لا أعتقد أنه كان سيحدث قبل عقد من الزمن لأن القادة العرب كانوا سيوضحون أنهم لن يتعايشوا معه”.. إنهم قلقون بشأن استقرارهم”! كما أشار إلى أن القادة العرب “سوف يجدونه وسيلة للعمل مع البيت الأبيض المستعد لكسر ما كان محرما في السياسة الخارجية الأمريكية “.
تقرير الصحيفة أوضح أن اثنين من المتحدثين باسم الحكومة المصرية لم يعلقا على هذه التسريبات، كما تعذر الوصول إلى الضابط المصري، فيما فندت القاهرة صحة التقرير، وقالت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، في بيان، نقلته بوابة “الأهرام” المصرية، “إن تقرير الصحيفة الأمريكية يحمل ادعاءات، واصفة إياه بأنه “تسريبات مزعومة لشخص مجهول”.
المسؤولين العرب فقدوا منذ دهر أبسط مصداقية لدى جمهورهم ولدى نظرائهم الغربيين الذين ما عادوا يخفون مواقفهم الازدواجية التي باتت معروفة مسبقا. وهي التي تفسر إلى حد أسباب استخفاف المسؤول الغربي وإعلان مواقف هؤلاء “المسؤولين” وفضح ما يدور داخل الأروقة المغلقة!
لنفترض جدلا أن هذه التسربات مجرد “ادعاءات واهية” وأن الصحفي “مغمور” ولكن أداء الحكومة المصرية مذ عُهد بالملف للمخابرات وزمن التنسيق الأمني وخنق الفلسطينيين الشرفاء لا أولئك الذين آثروا مصلحة تنظيمهم على أمن مصر الوطني!
على هؤلاء “المكملين” والمحتفين بالتسريبات وثيقة ادانة أن يذكروا جيدا ماذا أنجز لهذه الفلسطين أيام حكم مرسي وأين أتيح لهم أن يحكموا!
ستظل فلسطين الامتحان والثمرة المحرمة وستنكشف “عورة” من يطبّع أو يدفع نحو التطبيع مع المحتل الغاصب ولن ينفعه مطلقا أن فَبَدَتْ سَوْءتهُ أن “طَفِقَ يَخْصِف عَلَيْه مِن وَرَقِ” التكذيب المحتشم أو الصمت المطبق!
ساوموا ما شئتم وطبّعوا إن أردتم ولكن لا يحق لا لكم ولا لبعض الفلسطينيين ولا لكلهم التلاعب بقضية القدس أو بذرة من فلسطين التاريخية! هلاّ رفعتم أياديكم عنها وأرحتم واسترحتم!
د. نبيل نايلي
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
رأي اليوم