في بيان موجه للرئيس والرأي العام: "إيرا" و"ضمير ومقاومة" تذكران بإعدام العسكريين الزنوج

27 نوفمبر, 2017 - 23:11

بيان
 من أجل إعادة التأسيس

في يوم 28 نوفمبر، تحتفل الجمهورية الاسلامية الموريتانية بالذكرى الـ 57 لحصولها على السيادة بعد عقود من  الاستعمار الفرنسي وبعد قرون من الإقطاعية القبلية والرق.

عشية تخليد عيد الاستقلال سنة 1990 تم إعدام 28 عسكريا من الأفارقة السود داخل حامية إنال المميتة في أقصى شمال البلاد. واتسعت مدة حملة القمع العرقي على مدى 3 سنوات من الترحيل، والإعدام خارج نطاق القانون، والتعذيب، والتطهير من سلك الوظيفة العمومية، دون أن ننسى ما تم من هدم لجهاز الدولة والعدالة والتعليم.

إلى حد الساعة، وعلى الرغم من تعاقب الأنظمة، فإن حصانة مّا تظل تحمي مرتكبي تلك الجرائم.

عندما تم تجاوز مرحلة الإنكار، حانت الآن ساعة النسيان الممنهج. مع ذلك فإن الشرخ بين مكونات المجتمع وصل درجة من الحدة أضحى من المناسب معها أن نتساءل، من الآن فصاعدا، حول استمرارية نمط من التعايش المبني على الاستثناء بالمولد والحصانة تجاه وضد القانون.

والحقيقة أن كل التناقضات في المشروع الوطني تدور حول عدم المساواة. إن جل مواطنينا، المقهورين تاريخيا، لم يعودوا يؤمنون بالخطابات المهدّئة، بل إنهم يطالبون بشرح لبلوى الظلم. فكلما تأخر هذا الشرح، اتسعت رقعة الفظاظات وإغراءات القطيعة.

تكمن عدم مسؤولية النخب الحاكمة في لا مبالاتهم الكسولة أمام التحديات. فبدلا من مجابهة المشكل البديهي، فإن الحكومات المتعاقبة تخفيه في ظل تفاؤل بإيحاء ذاتي انتحاري وركيك في آن واحد. أما الباقون، من الحشد المجهول الذي لا صوت له، أبناء وأحفاد المهمشين وذراري ضحايا العنف، فيترعرعون ويقوى عودهم في عالم مواز خاص بهم. هذه الإنسانية السفلى، الباحثة عن الكرامة والكمال، تداس أمام أبواب الحالة المدنية البيومترية: إنها التقنيات الجديدة في خدمة الإقصاء. وبهذا فإن الإحصاءات تتجاهلهم تماما كما تجاهلتهم صناديق الإقتراع.

في سنة 2017، وصلت موريتانيا إلى مرحلة من الفشل الذريع والانكسار تتطلب نقدا ذاتيا واستجوابا غائصا. إن عرقلة الأمل تفتح الباب على مصراعيه أمام التساؤل حول المكابرة تجاه  تصور مستقبل مشترك بذريعة الأمر الواقع. بعبارة أخرى، إلى أية هيئة موثوقة ينتمي عقد اجتماعي يشكل فيه السلب والتفضيل والقوة الغاشمة الضمان الوحيد للاستقرار والنظام؟. من هذا الشك المستفحل بفعل العجز عن التوافق والإحباط المنتشر، ينتج قلق السكان والغرق المتنامي لبعض الشرائح في وحل الوهم والتطرف. وبين الفينة والأخرى، نرى الحشود المتعصبة سالكة دربها إلى الحكم قبل أن تضع العلامات الدالة على الطريق نحو دكتاتورية دينية عنيدة أمام التنوع الثقافي وغير مستجيبة لفكرة السعادة الدنيوية. ولا شك أن الوسط الإقليمي يشجع مثل هذا الانزلاق الذي بات يشكل أحد مظاهر تفكك موريتانيا. غير أن هناك فرصة سانحة. فمصممو البديل السياسي، والمجتمع المدني، والشركاء الأجانب، ما يزال لديهم هامش للمناورة لاستباق وتحويل وجهة الخطر المحدق، إلا أن الوقت يمر بسرعة. وبغية مضاعفة الدعوة إلى وثبة حقيقية، وقبل ما يزيد قليلا على سنة من إجراء انتخابات رئاسية يأمل فيها الموريتانيون الخلاص ويخشون فيها المحاباة، فقد أزفت ساعة التذكير بأن الانفجار الذي يتهددنا أصبح وشيكا.

إنه لمن المشروع أن نفكر اليوم في موريتانيا الغد حسب الإكراه المزدوج المتعلق بالبقاء والقدرة على الديمومة. بيد أن الهدف الحيوي لم يعد يسمح بالمماطلة أحرى أن نميّع الإرادة والتصور الخلاق برفاهية اللغة الخشبية واليقينيات المفلسة.

البلاد التي نصبو إلى بنائها –نعم يتعلق الأمر فعلا ببنائها- تحتاج، بادئ ذي بدء، إلى الاعتراف بحقيقة التمييز على أنه جوهر لما أعادت إنتاجه على مدى 57 سنة. ثم بعد ذلك فإن عليها أن تسمع وتنشر الحقائق المحظورة وتصلح الأضرار، وأخيرا عليها أن تتصور شكلا للتنظيم والتقاسم يجسد مبادئ الإنصاف العالمية. وإذا كنا مصرين على السلام الجماعي، فإن أية ثقافة وأية لغة وأية أحساب سننأى بها عن الاستفادة مستقبلا من حالة السيادة والتفوق. ويترتب على ذلك، بطائلة تفاقم العنف المطالبي، نهاية الامتيازات المادية والطبقية والقضاء على قبضة الأقلية على الدولة وعلى الاقتصاد.

موريتانيا القائمة على الجدارة العقلانية والكفاءة، تفترض مسبقا إعادة تعريف علاقة القوات المسلحة وقوى الأمن بممارسة السلطة. فالتجربة الشريرة للطـُّـغَم وأشباههم المقنـّـعين بلثام مدني سينتهي بها الأمر إلى الفشل لا محالة.  لقد ضلت المؤسسة العسكرية، المكلفة بحماية الهيئات وحرمة الحدود، طريق مهمتها. فثمة أوليغارشيا قبلية جعلت الافتراس عقيدة عسكرية فأبعدت الجندي من المواطن، وهكذا عجلت بالإفلاس.

هذا النداء موجه، في المقام الأول، إلى الفاعلين في خط القرار الأمامي: رئيس الجمهورية المنتهية مأموريته، وقادة الأحزاب السياسية والرأي، وكل الشخصيات المعروفة بقدرتها على القيام بحوار حقيقي من أولئك الذين لم يعد بإمكانهم الهروب عن حتمية اللحظة الكامنة في بعث الحلم الرائد للمؤسسين؛ ذلك الحلم المتمثل في همزة الوصل بين الإفريقيتين، وفي الحداثة، وخاصة في المساواة، ذلك الحلم الذي يرغمنا على الجلوس معًا والنقاش، كما يرغمنا على أن نجرُؤ، ولو مرة، على التسوية المستديمة.

نواكشوط 28 نوفمبر 2017

ضمير ومقاومة (رابطة اجتماعية ديمقراطية، بيئية وعلمانية، غير مرخصة)

مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (رابطة مناهضة للرق، غير مرخصة