إثراء لزاويتها التاريخية، أتحفت "صحيفة نواكشوط" قراءها، هذه المرة، برسالة مرقونة في أرشيف الدولة الفرنسية، في ركن "قضايا المغرب: 1906-1907. وهي تتناول، كما يتضح من العنوان، أحداثا دارت في تكانت سنة 1906. ومن الناحية الشكلية، فالنص عبارة عن رسالة إدارية بعث بها الوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية إلى وزير المستعمرات الفرنسي، فأحالها وزير المستعمرات، مرفقة دون تغيير، إلى وزير الخارجية للإطلاع.
"صحيفة نواكشوط" نشرت الترجمة التالية للوثيقة المذكورة:
******
رسالة الإحالة الأولى
من ميرلين، الوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية، إلى السيد وزير المستعمرات.. جزيرة غوري- 9 نوفمبر 1906..
******
رسالة الإحالة الثانية
من ميليي لوكروا، وزير المستعمرات، إلى استيفين بيشون، وزير الخارجية- باريس 23 نوفمبر 1906
من خلال رسالة وردت إلينا يوم 9 نوفمبر الجاري، وجه الوالي العام لإفريقيا الغربية محضرا إلى قطاعِي حول الأحداث التي دارت مؤخرا في موريتانيا.
يشرفني أن أبعث إليكم نسخة مرفقة من هذه الوثيقة. وكما ستلاحظون فإن هذا المحضر يوضح، مرة أخرى، التأثير ذا الطابع الديني الإسلامي الذي تـُـعتبر المغرب مركز ثقله.
******
المحضر
كنت قد نبهتكم إلى حضور إبن الشيخ ملعينين، المسمى حسّنَّه، عند إدوعيش، وأنه يوزع هناك أسلحة وذخائر. ومنذ ذلك التاريخ أصبح التأجيج أنشط. الوكيل الأساسي المتكفل بهذا التأجيج يُدعى مولاي إدريس ولد مولاي عبد الرحمن ولد مولاي سليمان، إبن عم سلطان المغرب، ويَـدّعي أنه مبعوث من طرفه.
المعلومات المتحصل عليها عنه تقدمه على أنه قدِم إلى آدرار بتعليمات من الشيخ ملعينين الذي يرافقه إبنه حسنّه. وتقول الاستعلامات انه زار أوجفت وشنقيطي حيث جُمعت له الزكوات ووزع أسلحة وذخيرة مجلوبة من الساقيَه الحمراء، لكنه سينشر قريبا دعايته لتصل القبائل الخاضعة لسلطتنا. وقد أعلن مولاي إدريس أنه جاء ليحكم البلاد، وأنه، باسم السلطان، جاء ليطالب بملك الأرض (الموريتانية) حتى النهر .
في بداية سبتمبر 1906 أخبرني المفوض العام للحكومة الفرنسية في موريتانيا أن المعلومات الواردة إليه تؤكد أن سيدي المختار، زعيم أهل سيدي محمود، هو الوسيط بين وكلاء المغرب وقبائل البيظان، وأنه يعلن صراحة عداءه لنا. وحتى أنه يعلن استعداده لمهاجمتنا بعد الخريف، ويسعى، بهذا الخصوص، إلى مساعدة تجكانت. علما بأن منطقة كيفه تعد مركزا لتجمع هذه المجموعات المعادية.
من جهة أخرى، جمع الشريف مولاي إدريس 500 محارب من ضمنهم 100 من سكان الحوض خاصة لغلال ومشظوف.
لقد أطـْـلعتكم على هذه الأحداث في نفس الوقت الذي دعوت فيه والي السيغال والنيجر والمفوض العام للحكومة في موريتانيا إلى مضاعفة الرقابة واتخاذ التدابير اللازمة لجعل مراكزنا بمنأى عن أي عمليات محتملة. هذه النصائح كان لها ما يبررها، للأسف.
فالنقيب تيسو، حاكم مركز تجكجه، أخبر، في إبراق له موجه لسان الويس يوم 26 اكتوبر، أنه توصل من مولاي إدريس برسالة يدعوه فيها إلى مغادرة تكانت. حينها كان الشريف عند عين كشاله، على مسافة يومين من أشرم. كان معه إدوعيش و50 من أولاد بسبع ورجال من مشظوف ولغلال وعدد قليل من المتمردين القادمين من دائرتي الترارزه والبراكنه.
اعتبر النقيب تيسو أنه من المفيد طرد الشريف خارج تكانت قبل أن تصله تعزيزات كان ينتظرها من آدرار، فأرسل لمهاجمته مفرزتين من 30 مجندا (سينغاليا) يقودهما الضابطان أندريي ودو فرانسو مع عريفين أوربيين (هما افليريت وفيليب). ظن النقيب تيسو أنه سيرغم مولاي إدريس على الخضوع أو العودة إلى آدرار. إلا أن المعلومات الاستخباراتية التي وصلته بعد مغادرة المفرزتين أكدت له أن عصابات الشريف كانت كثيرة العدد وجيدة التسليح، وأن المفرزتين، بسبب قلة عددهما، يمكن أن تنهزما، كما أن المركز الذي ينوي مولاي إدريس مهاجمته يحتاج إلى كل أفراد حاميته للدفاع عن نفسه. إذن أرسل النقيب تيسو أمرا إلى المفرزتين بأن تعودا أدراجهما إلى تجكجه. وخلال تحركهما آئبتين من هناك التقتا بالشريف عند النيملان، على بعد 25 كلم إلى الجنوب الشرقي من تجكجه، فأغار عليهما بـ 900 محارب أكثرهم راكبين و200 منهم لديهم أسلحة ذات طلقات سريعة. دارت فصول المعركة من الساعة الـ 8 إلى الساعة 11 صباحا. وكان على المفرزتين أن تنسحبا إلى تجكجه مع ما تعرضتا له من مناوشات مستمرة وهما في طريق العودة.
أول إبراق استقبلناه (حوّلتـُـه لكم يوم 30 نوفمبر) كان ناقصا وقد تضمن خسائر أكبر من تلك التي وقعت في الحقيقة: لقد قــُـتل الأوربيون الأربعة وتـُركت جثثهم، للأسف، عند العدو، وما عند المفرزتين من الحيوان قتل أو نهب، وكان في عداد المفقودين 15 من مواطني المستعمرات (المكتتبن). أما البقية، ومن ضمنها 33 جريحا، فقد وصلوا المركز. بعض الأسلحة والقليل من الرصاص بقي بين أيدي العدو. البيظان، من جهتهم، قــُـتل منهم 150 رجلا من ضمنهم 3 قادة و5 من أبناء بكار، زعيم إدوعيش.
إذن بقي النقيب تيسو مع حامية منهكة لا تضم غير 65 رجلا قادرا، ولم يعد فيها من الأطر غير عريف أو ضابط معدات، ينضاف إليهما، من الأوربيين، كاتب للشؤون المحلية. فيما يتضاعف عدد البيظان (المناوئين للوجود الفرنسي) حول المركز، فنجاح الشريف والأمل في عمليات النهب، أمور شجعت الكثير من السكان على الإلتحاق بضواحي المركز.
ميرلين
ملاحظة:جميع المعلومات الواردة في هذه الزاوية منقولة مباشرة من المصادر الاستعمارية فهي كتابة للتاريخ من زاوية واحدة ومن وجهة نظر الغالب لذا وجب التنبيه
المصدر والترجمة: صحيفة نواكشوط