المواطن المطحون… بوعزيزي المغرب

31 أكتوبر, 2016 - 16:35
د. طارق ليساوي

في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة المغربية لاحتضان فعاليات مؤتمر الأمم  المتحدة  حول المناخ ، و ما صاحب ذلك من مخصصات مالية لا يعلمها إلا الله ، استيقظ ساكنة مدينة الحسيمة ( شمال المملكة) و معهم باقي المغاربة على خبر طحن مواطن مغربي في شاحنة للنظافة فجر السبت 29 أكتوبر وذنب الضحية أنه  يسعى وراء كسب قوته وقوت أسرته بطرق شرعية، وبمزاولة مهنة شريفة وهي المتاجرة في السمك ، وبعيدا عن التفاصيل حول امتلاك الضحية لرخصة بيع السمك و عن من  المتسبب في تشغيل آلة لطحن هل سائق الشاحنة أو سواه فإن الحادث المؤلم أثار ضجة في الشارع المغربي، و تم الإعلان عن وقفات احتجاجية بالعديد من المدن المغربية .

حادث طحن المواطن محسن فكري أعاد للأذهان حالات عديدة لمواطنين ضعفاء تم الإجهاض على حياتهم بأساليب متباينة إما حرقا أو دهسا أو طحنا أو غرقا..، و هؤلاء الضحايا قاسمهم المشترك الموت من أجل لقمة العيش الكريم، في بلد تنفق ملايير الدراهم في أمور غير ذات أهمية لمجموع المغاربة، لكنها مهمة لتجميل وجه نظام سياسي قبيح في جوهره، نظام كرس  لنهب الثروات و تفقير الغالبية العظمى من الشعب و تبني سياسات إقصائية لا علاقة لها بمنطق الإصلاح أو التغيير الذي يدعيه النظام منذ حراك ما بعد 20 فبراير 2011.

ومن غرائب الأمور، أن هذه الدولة التي تهمل ملايين المواطنين و تضيق عليهم في معاشهم بل تدفع بهم إلى  الموت،  هي نفسها تعلن حالة الاستنفار  للدفاع عن مغني مغربي اعتقلته فرنسا بتهمة اغتصاب فتاه فرنسية بأحد فنادق باريس و هدا الدفاع المحموم لأن المغني من المرضي عليهم ، بينما هؤلاء الفقراء مواطنين من الدرجة العاشرة.

  هذا التناقض في تعامل الدولة مع مواطنيها يعبر  بوضوح عن واقع الديمقراطية  و حقوق الإنسان في بلاد  الاستثناء،  واحة الديمقراطية  و حقوق الإنسان في صحراء اللاستقرار و العنف.هذا الخطاب الذي تروج له أبواق النظام الحاكم في الخارج و الداخل.  لكن الحقيقة أن أسطورة التحول الديمقراطي و الانتقال الأمن الذي حدت بعد الحراك الشعبي لعام  2011 ماهو إلا حزمة  من الإجراءات  التزيفية والترقيعية الظرفية، والتي اقتدتها ظروف المرحلة بفعل ما فرضه الشارع المحلي و الإقليمي على النظام أنداك . لكن الغريب في الأمر أن السلطة السياسية الماسكة بزمام الأمور رسمت صورة زائفة للواقع، لكن الأغرب من ذلك أنها صدقت هدا الزيف، فهناك اعتقاد راسخ لدى سدنة و رهبان النظام، أن النظام السياسي المغربي استطاع أن يحقق الإصلاح الشامل.

لكن الصورة الأصلية لازالت كما هي قبل 2011 ، واقع مختل يتميز بسيادة الفقر و البطالة  و الإقصاء الاجتماعي و التوزيع الغير عادل للثروة مع استبداد سياسي وأمني يمارسه النظام المخزني و أجهزته الأخطبوطية ، مع سكوت و تواطؤ أغلب الأحزاب السياسية و في مقدمتها الحزب ( الإسلامي) العدالة  و التنمية الذي يقود التحالف الحكومي.

الواقع أن المغرب و المغاربة  يعيشون ضحية تمثيلية زائفة فموت مواطنين لا لسبب إلا لبحثهم عن لقمة العيش، و تعرضهم للاهانة و الذل من قبل أجهزة الأمن و أعوان السلطة دليل على أن البلد لم تدخل بعد عصر الديموقراطية  و دولة الحق و القانون . بل الواقع وتوالي الأيام يثبت عكس ذلك فالمغرب يشهد جريمة مكتملة الأركان في حق البلاد و مستقبلها و أمنها الاجتماعي و الاقتصادي،  هناك نهب ممنهج لخيرات البلاد لفائدة قلة قليلة من المحظوظين الذين استفادوا من الحكم أو القرب منه، وتطبيق لسياسات اقتصادية واجتماعية غير شعبية و لا تخدم إلا النخبة المحظوظة.

وصف التجربة المغربية بالنجاح و الاستثناء هو مجرد دعاية إعلامية ، فالحكومة المنتخبة بعد دستور 2011   تنتهك حقوق الضعفاء و لم تحاسب ناهبي المال العام و المسؤوليين عن حالة الانهيار الاقتصادي و الاجتماعي ،  فالوضع في المغرب لا يختلف عن باقي البلدان العربية الاخري، و حالة الاستقرار الهش الذي تعرفه البلاد هو نتاج لحكمة أغلبية الشعب، التي و إن كانت ترفض المشاركة في هذه العملية المشبوهة لكنها تدرك مخاطر انتهاج سياسة رد الفعل وما لذلك من محاذير قد تعرض  البلاد لحالة من العنف. حالة الاستقرار لحد الساعة ترجع بالأساس  لحكمة الأغلبية الصامتة  من الشعب  و ليس لفعالية سياسات النخبة الحاكمة ، فمن المؤكد أن المغاربة على وعي شديد بما يحدث في بلادهم و لاسيما فئة الشباب  والدليل على هذا الوعي هو الرفض الواسع للمشاركة في انتخابات  7 من أكتوبر و التي لم تتعدى نسبة المشاركة فيها    30 في المائة بحسب وسائل الإعلام المحايدة .

صحيح، أن لا أحد يحب الخير لوطنه يقبل بأن تتحول أو باقي بلاد المسلمين لحقل ألغام، لكن لا ينبغي إهمال واقع الفساد الذي ينخر جسد الدولة، و فشل السياسات العمومية في شتى القطاعات. أما تركيز الحكومة بشقيها الواجهة والظل على سياسات تسويقية موجهة للخارج و إهمال حالة الاحتقان الذي يشهده المغرب ماهو إلا  لعب بالنار و تعريض البلاد لمخاطر لن تستطيع النخب الحاكمة تحمل تبعتها .

و الخطير في الوضع المغربي  أن لا أحد من الهيئات السياسية الرسمية و غير الرسمية، تمتلك امتدادا جماهيريا يمكنها من السيطرة على حركة الرأي  العام وإقناع الأغلبية الصامتة وتاطير شريحة واسعة من الشباب المثقف و الواعي الرافض لقواعد اللعبة السياسية القائمة. فسياسة صم الأذان والخطابات الرنانة لم تعد تجدي فالاختلالات البنيوية في المغرب تقتضي قيادة رشيدة وقرارات حاسمة تصب بداية في إقرار العدالة الاجتماعية و وقف نزيف الأموال التي تنهب من خيرات الشعب. و ترشيد الإدارة العمومية وضبط سلوك أجهزة الأمن و الإدارة الترابية و إلزامها باحترام كرامة و حقوق المواطن ، هذا إلى جاني إصلاح سياسي حقيقي مبني على فصل واضح للسلط و فصل صارم بين ممارسة السلطان و التجارة، و إقرار مبدأ المساءلة، مع جعل جميع مناصب المسؤولية في الدولة خاضعة للانتخاب الحر و النزيه  لا لتعيين.

لاشك أن المغاربة كباقي شعوب المنطقة أصبحت تتملكهم مشاعر اليأس و الإحباط،  فمسار الإصلاح الذي بدء مند 1999 لكن لم يسفر عن أي نتائج ايجابية تذكر، فكل المؤشرات تؤكد أن البلاد تتجه نحو مزيد من التدهور. لدلك فالمغاربة  يأملون خيرا في ملك البلاد باعتباره الوحيد بعد الله طبعا و بعد إرادة الشعب ،أن بإمكانه جمع جميع أطراف الطيف المغربي -لاسيما الأغلبية الصامتة التي فقدت الثقة في الفعل السياسي المغربي – و التوافق على إدارة الإصلاح في المرحلة المقبلة  فالبلاد و لاسيما بعد انتخابات 7 أكتوبر في حاجة لحكومة انقاد وطني تتولى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية بعيدا عن الإصلاحات الفلكلورية و بعيدا عن التسويق الإعلامي…

 من المؤكد أن المقال لن يعجب القائمين على مقاليد الأمور في المغرب، لكن  حادث طحن المواطن محسن فكري يثير الحزن والأسى لدى كل ضمير إنساني حي ، و كفي من اللامبالاة و الاستهتار بمصير الفقراء و الطبقات التي طحنتها السياسات الاقتصادية والاجتماعية  العشوائية .  و للذكرى فاستشهاد المواطن التونسي البوعزيزي سنة 2011 فجر ثورات عربية أطاحت بنظم حكم ماكانت تعتقد يوما أنها ستكون خارج دائرة الحكم…وحسبنا الله ونعم الوكيل  ورحم الله الفقيد …

د. طارق ليساوي

أكاديمي وإعلامي مغربي

رأي اليوم

إضافة تعليق جديد