مسؤوليات موريتانيا إزاء نزاع الصحراء المغربية (تحليل إخباري)

23 سبتمبر, 2016 - 14:49

اعتاد المغرب على أن يتحمل بكثير من الصبر التقلبات التي تطرأ على السياسة المورتانية إزاءه، عندما يتعاقب على الحكم في نواكشوط من لا يلتزم بالتعهدات والمعاهدات التي تربط بلادهم بالمغرب.

وأقصى ما كان يطالب به هو أن لا تتخلى موريتانيا عن الحياد عندما لا تلتزم بالتحالف مع المغرب إزاء النزاع الذي يصر حكام الجزائر على أن يستمر في إنهاك أقطار المغرب العربي. ويحرصون على أن يؤججوا صراعهم مع بلادنا من حين لآخر، وكلما اعترضت بلادهم صعوبات أو واجهتهم أزمات سياسية أو اقتصادية كالأزمة الحالية الناجمة عن مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعجزه عن ممارسة سلطاته كما تفرضها مقتضيات الحكم، أو كالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر نتيجة انهيار أسعار المحروقات وتدني عائداتها من الغاز والبترول التي تشكل نسبة 97 في المائة من مجموع صادرات البلاد.

إن أقصى ما يمكن أن يتحمله المغرب وهو يخوض صراعا مريرا مع الجزائر أن لا يتحول حياد موريتانيا من حياد إيجابي إلى حياد سلبي يتيح لأعداء المغرب، ولا أقول خصومه، “استغلال مواقف” نواكشوط لتعزيز مواقفهم على الصعيد الدبلوماسي. لكن أخطر ما يمكن أن يحدث في مثل هذه الحالة هو فتح المجال لتمركز عصابات البوليساريو في الأراضي العازلة المتاخمة للحدود الموريتانية، علما بأن ذلك سيزيد الوضع تعقيدا بالنسبة لموريتانيا التي يجب عليها أن تنأى بنفسها عن التورط في حالة ما أن نشب نزاع مسلح من جديد كما يوحي بذلك التصعيد الجزائري الأخير والتلويح بالرجوع إلى الحرب، كما أبانت عن ذلك التحركات العسكرية الأخيرة لعصابات البوليساريو.

لقد كان المغرب محقا، عندما تساءل عن التصعيد الموريتاني المتمثل في المضايقات التي تعرض لها موظفون مغاربة يعملون في المقاولات المغربية العاملة في موريتانيا، وبالأخص منها مقاولات المواصلات والأبناك.

وكان من الممكن أن لا يثير ذلك حفيظة المغاربة. لكن أن يذهب الموريتانيون إلى استفزاز المغرب بعمل يمس سيادته على أراضيه فذلك ما لا يمكن تحمله.

فقلد تجرأوا على رفع العلم الموريتاني على إحدى البنايات الإدارية لمدينة الكويرة، وهو الأمر الذي لم يتحمله المغرب ولن يتحمل مثله في المستقبل مهما كانت الظروف والأحوال. ذلك أن هذه المدينة تشكل جزءا من إقليم الداخلة. ولقد اعتاد المغاربة على ترديد اسم الكويرة على كل لسان إلى جانب اسم مدينة طنجة كنقطتين أساسيتين للتعبير عن وحدة وطنهم.

توجد مدينة الكويرة في موقع يجعلها أقرب إلى مدينة نوديبو الموريتانية منها إلى  مدينة مغربية أخرى في إقليم الداخلة. وتقتسم المدينتان ذلك “اللسان الأرضي” الممتد داخل البحر في المحيط الأطلسي. ولقد أتاح لي مقامي بنواديبو لمدة أسبوع، ونحن نهيئ لزيارة المغفور له الملك الحسن الثاني قصد المشاركة في القمة الثلاثية التي جمعته سنة 1970 بالمرحوم الرئيس المختار ولد دادة والمرحوم الرئيس هوراي بومدين، أتاح لي مقامي أن أتردد على مدينة الكويرة لكونها كانت بمثابة متنفس يخفف عن الإنسان شظف العيش آنذاك في نواديبو، ولكونها كانت بالنسبة للمقيمين الأجانب و للزوار بل وحتى لأهل المدينة مركزا للتسوق ولم يكن الناس يحتاجون إلى أي إجراء أو يواجهون أية عوائق وهم يتنقلون بين نواديبو والكويرة  

والظاهر أن نفس الوضع ما يزال على هذا الحال لأنه لا يوجد على ما أعتقد مركز حدودي، بل أن المركز الحدودي الرسمي الذي يخضع فيه التنقل إلى الإجراءات الإدارية والجمركية يوجد في الكركرات، وهو مركز يعتبر عصب الحياة في المبادلات بين المغرب وموريتانيا وكثير من دول غرب افريقيا.

وأود أن أنوه هنا وبمناسبة الإشارة إلى الكويرة بإخواننا الصحراويين في هذه المدينة، وعلى غرار الذين كنا نلتقي بهم في نواديبو كانوا يتعاطفون معنا ونحن نتحدث إليهم أو نتعامل معهم. وأتذكر أن أحد التجار عندما ناولته ورقة بنكية مغربية قبَّل صورة الحسن الثاني وهو يتمعن فيها،  وذلك كتعبير منه عن تعلق روحي ومحبة خالصة للمغرب حتى وهو بعيد مسافة ومحاصر في منطقة معزولة نسبيا. ولنا أن نتصور أن هذه الواقعة حدثت قبل خمس وأربعين سنة، مما يدل على قدم الروابط التي تجمع سكان الجنوب المغربي بسكان شماله روحيا وماديا.

والواقع أنه لم يكن، ولن يكون، بعد المسافة أو العزلة حاجزا عن الانتساب إلى الوطن، ولا عاملا يحول دون الانتباه إلى ما يحدق بأي جزء من الوطن من أخطار التجزئة أو الانفصال. وهذا هو الدافع الذي حذا بالمسؤولين المغاربة إلى إرسال وفد إلى موريتانيا ضم إلى جانب أعضائه الجنيرال عروب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد القوات في الأقاليم الجنوبية المغربية، وذالك بقصد إشعار المسؤولين في نواكشوط بخطورة العمل الذي أقدموا عليه، والمتمثل في رفع العلم الموريتاني في مدينة الكويرة.

 لقد أدرك المورتانيون جدية الموقف المغربي إذ صرحوا بأن وجود قائد عسكري ضمن الوفد يعد بمثابة إنذار.

وفي خضم هذه الأزمة أتى استفزاز آخر وجهه المسؤولون  الموريتانيون للمغرب تمثل في التعزية في وفاة محمد عبد العزيز

المراكشي، ووصفته برقية الرئيس محمد ولد عبد العزيز.“برئيس الجمهورية”.

إن من حق المغرب أن يتساءل عن الدافع الذي حذا بالرئيس الموريتاني إلى الإقدام على ذلك، وهو يعرف حساسية المواقف التي تتخذها حكومته إزاء ملابسات تطور نزاع الصحراء، وعما إذا كان الأمر يعني اختبار الموقف تمهيدا لخطوة أخطر مما تنبئ عنه برقية التعزية.

ويمكن للمرء أن يتساءل كيف يمكن للمسؤولين الموريتانيين أن يقدموا على ذلك، في وقت بدأ الخناق يضيق على البوليساريو نتيجة سلسلة سحب الاعتراف بها ككيان لدولة وهمية تقيمه الجزائر في الرابوني بصحراء تندوف، كان آخرها سحب رواندا وزامبيا اعترافهما، وذلك ربما تمهيدا لمحاصرة التمثيل الذي فرض على الأفارقة في منظمتهم لكيان وهمي.

إن من حق الأوساط السياسية والإعلامية المغربية أن تصعد حملتها ضد السياسة التي انتهجتها نواكشوط في المدة الأخيرة والتي لا يمكن تبريرها بالنظر إلى المصالح الموريتانية وما يمكن أن تكسبه من تعاملها مع المغرب بصدق وإخلاص، والنظر إلى أن موريتانيا كانت في أغلب الحالات وطوال النزاع المغربي الجزائري تقف إلى جانب المغرب، وفي أحلك الحالات تلتزم الحياد الإيجابي.

 ويبدو وكأن موريتانيا تعرضت لضغط وابتزاز ومساومة من طرف النظام الجزائري حتى يتسنى له التخفيف من العزلة التي يشعر بها على الصعيد الإفريقي، في الوقت الذي يتسع فيه نفوذ المغرب إفريقيا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

ومهما يكن، فإن الظروف ما تزال مواتية لكي تتراجع موريتانيا عن تصعيد مواقفها إزاء المغرب. فهل يعتبر التزام نواكشوط بعد انتخاب زعيم جديد للبوليساريو بادرة لمثل هذا التراجع ؟

وعلى كل حال فإن مصادر موريتانية أفادت بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أدرك أن إرسال برقية تهنئة إلى إبراهيم غالي الزعيم الجديد للبولسايو قد يكون بمثابة إعلان طلاق في العلاقات بين الرباط ونواكشوط، وهو أمر لا تخفى عواقبه على هذه العلاقات فقط، بل وعلى علاقات موريتانيا أكثر من جهة عربية وأجنبية اعتادت الوقوف إلى جانب الحق المغربي وناصرته في الدفاع عن وحدته الترابية والوطنية، ودأبت على الانحياز للاختيار الصائب والقابل للتطبيق، والمتمثل في الحكم الذاتي كحل سلمي يعزز مسيرة التقدم والتنمية في الأقاليم الجنوبية المغربية.

م. عبد السلام البوسرغيني

المصدر