بعد تزايد التوتر الدبلوماسي بين موريتانيا والمغرب: السنغال تدخل على الخط لصالح المغرب

16 سبتمبر, 2016 - 11:01

مدريد ـ “رأي اليوم” ـ البشير محمد لحسن: تحرص السلطات الموريتانية و نظيرتها السنغالية للسيطرة على اسباب الازمة الصامتة المتفاقمة بين البلدين، و عدم خروجها عن التحكم أو وصولها الى الاعلام. غير ان فصول تلك الازمة بدأت تتطور و تكبر ككرة الثلج المتدحرجة، و قد طفى التوتر على السطح بقرار السنغال شهر يوليو/تموز الماضي طرد الآلاف من قطعان الإبل الموريتانية التي ترعى عادةً داخل الحدود السنغالية بعد انقشاع الغطاء النباتي في معظم مناطق موريتانيا، و ُينظم ذلك عن طريق اتفاقيات تعود الى سنة 1974.  و لم يتأخر الرد الموريتاني، بل جاء من اعلى هرم السلطة، فقد أكد الرئيس محمد ولد عبد العزيز من مدينة “روصو” الحدودية في ال 13 من يوليو/تموز الماضي ان القرار جاء احادياً و ان السنغال لم تنسق مع بلاده قبل اتخاذه معتبراً إياه سيادياً يخص دكار وحدها. و تشير الوقائع على الأرض ان قرار دكار جاء رداً على رفض نواكشوط تجديد اتفاق الصيد البحري الموقع بين البلدين سنة 2001 والذي يتم تجديد صلاحيته كل سنة، إذ يحصل بموجبه 300 صياد تقليدي سنغالي، ينحدرون اساساً من ولاية “سنلوي” الحدودية، على رخص صيدٍ في المياه الاقليمية الموريتانية. و بعد إجراء الأخيرة لتقييم شامل حول عائداتها من الاتفاق المذكور، خلصت الى انها الخاسر الاكبر منه، حيث تفوق كمية الاسماك المصطادة من قبل السنغاليين ال 250 الف طن سنوياً، فيما لا يتجاوز المبلغ الذي تدفعه حكومتهم ال 250 الف يورو، و هو ما رأت فيه نواكشوط استنزاف لثروتها البحرية مقابل مبلغ رمزي. و لحل الأزمة اقترحت موريتانيا شهر فبراير/شباط الماضي منح الصياديين السنغاليين وضعاً خاصاً، يتضمن بناء ميناء في مدينة “انجاكو” يتم فيه تفريغ حمولة الاسماك تحت الرقابة الموريتانية قبل نقلها الى السنغال. و قد رفضت هذه الاخيرة ذلك المقترح، فيما لازالت نواكشوط تطبق تلك الاجراءات على الصياديين السنغاليين اين يتم اعتقال المخالفين، و قد ادت المناوشات مع قوات الامن الموريتانية الى حالات وفيات. و في مؤشر على تصاعد التوتر، لم تدع دكار الى اجتماع اللجنة المشتركة لإدارة ملف الثروة الحيوانية، الذي كان من المفترض ان يعقد شهر مايو/أيار الماضي، و يعود آخر اجتماع للجنة المذكورة الى سنة 2015. و هو نفس الإجراء الذي ينطبق على الاجتماع السنوي للولّاة الذي كان مقرراً عقده في السنغال. و بقدر ما كان النهر الفاصل بين البلدين نعمة عليهما فقد كان كذلك شاهداً على احتكاكات بين القرويين كادت تؤدي الى نشوب نزاع بينها، مثلما حدث بين سكان قرية “دياورا” السنغالية و “سونوكو” الموريتانية في ابريل سنة 1989 أين أدت الصدامات الى سقوط قتلى و جرحى من الجانبين و لو لم يتم احتواء المناوشات لتحولت الى كارثة، على طول الحدود الفاصلة بين البلدين و الممتدة على أكثر من 460 كلم. و اذا كانت الشرارة قد انطلقت على الحدود فإنها تفاقمت لتصل حد طرد و ترحيل كل بلد لجالية البلد الآخر، فقد أمر الرئيس السنغالي عبده ضيوف اواخر ابريل  سنة 1989 بترحيل كل الموريتانيين المقيمين في بلده، و هو ما رد عليه نظيره الموريتاني معاوية ولد سيداحمد الطايع بالمثل، ما ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين شهر اغسطس/آب من نفس السنة. كما تطور النزاع ليصل حد الاشتباك المسلح بين الجارين كما حدث أواخر سنة 1989 و 1990. و إن كانت العلاقات بين البلدين لم تخل من اسباب الاحتكاك و الصدام منذ استقلالهما، فإن بعض المراقبين يشيرون الى دوافع أخرى للتوتر الحاصل بينها، و من بينها دخول دكار الى جانب حليفتها الرباط على خط الأزمة بين المغرب و موريتانيا. و من المعروف أن علاقات نواكشوط و الرباط تمر بفترة برود غير مسبوقة تحولت خلال الخمس سنوات الأخيرة الى أزمة دبلوماسية دائمة مع إصرار نواكشوط على عدم تعيين سفير لها بالرباط و وصول تمثيلها الدبلوماسي الى أدنى مستوى له. يأتي ذلك بعد رفض المغرب تغيير سفيره بموريتانيا عبد الرحمن بن عمر، الذي تتهمه السلطات الموريتانية بدعم بعض أطراف المعارضة و التدخل في شؤون البلاد. و كان يدير السفارة الموريتانية بالرباط القائم بالأعمال أحمدو ولد اباه، و هو المستشار الدبلوماسي بالجزائر الذي أحيل على التقاعد شهر اغسطس/آب الماضي، و منذ ذلك التاريخ لم تعين الحكومة الموريتانية خليفة له. كما أثار قرار موريتانيا استضافة القمة العربية أواخر شهر يوليو/تموز الماضي حفيظة الرباط التي اعتذرت عن استضافة القمة. و يؤكد المراقبون أن تصعيد حدة التوتر بين السنغال و موريتانيا جاء كنوع من الدعم للرباط في معركتها الدبلوماسية مع نواكشوط، لتشكل بذلك ضغطاً على الحكومة الموريتانية من جارتها الجنوبية، و يأتي ذلك حسب متابعين كرد على مضيّ موريتانيا في مسار تحسين علاقاتها مع البوليساريو، و الذي بلغ أوجه مع التعزية الرسمية التي بعثها الرئيس الموريتاني بعد وفاة الزعيم الراحل محمد عبد العزيز، و مما أثار انزعاج الرباط أيضاً إيفاد موريتانيا لوفد رسمي لحضور مراسيم دفن الرئيس الصحراوي في منطقة بئر لحلو، شهر يونيو/حزيران الماضي، يقوده وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي أحمد ولد أهل داود. و عززت موريتانيا من نهجها في التطبيع مع جبهة البوليساريو بعد حضور وفد رفيع عن الحزب الحاكم لأشغال المؤتمر الاستثنائي للبوليساريو منتصف يوليو/ تموز الماضي. و تنأى نواكشوط بنفسها الى حد الآن عن أزمة “الكركارات” المتفاقمة على حدودها الشمالية، و فضلّت أن تراقب الوضع بحذر شديد، رافعةً درجة التأهب في أوساط الجيش الى القصوى بالمنطقة الشماليه، بعد أن أصبحت الأزمة تنذر بنشوب نزاع مسلح بين البوليساريو و المغرب. و تعود بدايات هذه الأزمة مع بدأ المغرب أشغال تعبيد الطريق الرابط بين نقطة المراقبة التي أقامها بالأراضي الصحراوية و نقطة المراقبة الموريتانية، و قد عبرت البوليساريو سريعاً عن رفضها لتلك الخطوة، موفدةً تعزيزات عسكرية للمنطقة. و بذلك تتوقف أشغال تعبيد الطريق، فيما أرسلت الأمم المتحدة عناصر بعثتها بالمنطقة للتوسط بين الطرفين و تهدئة الأمور للحيلولة دون تطور التصعيد الى نزاع عسكري، بعدما تقلصت المسافة الفاصلة بين الجانبين الى مئة متر. و تعد أزمة “الكركارات” أول اختبار للرئيس الصحراوي الجديد، الذي تولى مهامه بعد المؤتمر الأخير للجبهة، و لازالت الأمم المتحدة تطالب طرفي النزاع بضبط النفس تفادياً لإنزلاق محتمل للأوضاع الهشة أصلاً الى حرب جديدة بين البوليساريو و المغرب و التي توقفت بموجب اتفاق أممي وُقِعَ في السادس من سبتمبر/ايلول سنة 1991