تجاوزت الحكومتان الموريتانية والسنغالية مرحلة الاستبشار باكتشاف حقل الغاز الضخم الذي يحتوي على 450 مليار متر مكعب والممتد على مدى 120 كيلومتراً مربعاً على حدودهما المشتركة، لتدخلا المرحلة الصعبة التي هي مرحلة التفاوض حول الطرق الآمنة للاستغلال المشترك لهذه الثروة الهائلة التي كثيراً ما تسببت مثيلاتها في خلافات بل في حروب.
ومع أن الحكومتين الموريتانية والسنغالية تظهران بتفاؤل أنهما متفقتان على ظروف استغلال هذا الحقل الضخم، فإن مراقبي هذا الملف يرون أن الطريق نحو استغلال منجم السلحفاة قد يكون مليئاً بالمطبات.
وكان الرئيس الموريتاني قد أكد بلهجة متفائلة في مقابلة أخيرة له مع صحيفة (فاينانشيل أفريك) «أن حكومته تعمل بتنسيق تام مع السلطات السنغالية»، إلا أن الرئيس الموريتاني استدرك ليؤكد في لحظة قلق «أنه يجب الحذر من بعث إشارة خاطئة تخيف المستثمرين المهتمين باستغلال هذا البترول والغاز الضروريين لسكان بلدينا»؛ ثم عاد الرئيس للتفاؤل مؤكدا على «أن توزع الحقل بصفة متساوية على حدود البلدين يبعث على الارتياح».
وفي تصريحات أخيرة لتلفزيون دبي، أكد الرئيس السنغالي ماكي صال بدوره «أن حقول الغاز المكتشفة أخيراً على الحدود الموريتانية السنغالية والاجتماعات التي تم عقدها للاستغلال المشترك للانتاج الغازي المكتشف، ستساهم بشكل كبير في تعزيز علاقات نواكشوط وداكار».
وأوضح «أن البلدين ناقشا موضوع الاستغلال المشترك لحقول الغاز، وأصدر رئيسا البلدين تعليمات للمسؤولين في الشركتين الوطنيتين للعمل مع شركة كوسموس أنيرجي النفطية لاستغلال الحقل، مضيفاً «لقد قررنا ببساطة تقاسم هذه الموارد، وهذا ليس أهم شيء.. أهم شيء هو التعايش بين البلدين، وأيضاً الأهم هو هذا التعاون العملي، إذن فالغاز بالتأكيد سيعزز هذه الشراكة».
وتواصل الحكومتان الموريتانية والسنغالية بعث رسائل التفاؤل والوفاق حيث نشرت وكالة الأنباء الموريتانية (حكومية) أمس فحوى مكالمة بين محمد سالم ولد
بشير وزير البترول والطاقة والمعادن، ونظيره السنغالي تيرنو الحسن صال وزير الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة، تحدثا فيها، حسب الوكالة، عن «مدى تقدم مشروع التطوير المشترك للحقل الحدودي المسمى «السلحفاة الكبير/آحميم»، الواقع على بعد 125 كيلومتراً قبالة سواحل البلدين».
ونقلت الوكالة «ترحيب الوزيرين بالتقدم الكبير الذي أحرزه فريق العمل المشترك والذي مكن الحكومتين من الاتفاق على اختيار موقع على بعد حوالي ثمانية كيلومترات من الشاطئ لإيواء منشآت معالجة وإنتاج الغاز من الحقل المذكور».
وتحدثت الوكالة عن بدء تنفيذ دراسة الأثر البيئي والاجتماعي لعمليات استغلال حقل السلحفاة لضمان الاستدامة الاجتماعية والبيئية للموقع الذي تم اختياره، إلى جانب استمرار العمل للتحقق من الجدوى الفنية للموقع الذي اتفق عليه.
وتعهد الوزيران الموريتاني والسنغالي في مكالمتهما بمواصلة التعاون مع المتعاقدين، لوضع اللمسات الأخيرة، في أقرب وقت ممكن على اتفاق تعاون لتطوير مشترك للحقل وفقاً للقواعد الفنية ولأفضل الضوابط الدولية المتبعة في المجال.
وبهذه التأكيدات تكون المفاوضات السرية المستمرة منذ فترة، قد توصلت لنتيجة ملموسة تجعل البلدين وشريكتهما مؤسسة كوسموس أنيرجي، يتجاوزان عقبة مهمة هي تحديد مكان إيواء منشآت الاستغلال وطرق تقاسم ريع هذا الحقل الضخم.وكان الاتفاق على موقع تنصيب منشآت الاستغلال محل خلاف كبير، بعد أن أكد اكتشافان جديدان على مستوى بئر «غمبل1» (السنغال) وبئر «آشميم» (موريتانيا)، تمدداً كبيراً لاحتياطات الغاز باتجاه أراضي البلدين.
وسبق لشركة «كوسموس أنيريجي» مكتشفة ومستغلة هذا الحقل، أن أعربت خلال المفاوضات التي جرت بين الحكومتين الموريتانية والسنغالية في داكار من 9 حتى 13 أيار/مايو المنصرم، عن قلقها إزاء الخلاف حول موقع تركيب المنشآت الفنية حيث أنها لا تريد، لأسباب تتعلق بالكلفة، تركيب منصات استغلال مزدوجة في هذا البلد وذاك لضمان تنفيذ مشروع الغاز الطبيعي السائل الذي تخطط لإقامته، بل إنها تشترط إقامة هذه المنشآت في أحد البلدين.
في هذه الأثناء، يواصل فنيو شركة النفط السنغالية والشركة الموريتانية للمحروقات والثروة المعدنية، مفاوضاتهما للتوصل لاتفاق نهائي لاستغلال هذا الحقل الذي تتوقع شركة «كوسموس أنيرجي» أن يبدأ استثماره الفعلي مطلع عام 2022.
القدس العربي