الموريتانيون يهربون من السياسة إلى الذهب والحكومة أفادها انشغال الشباب عنها

25 أبريل, 2016 - 21:31

نواكشوط – «القدس العربي»: لولا الفقر والحاجة لما هرب الشباب الموريتاني عن السياسة التي هو مغرم بها، لكن بريق الذهب خطف أبصار الآلاف من الشباب وجعلهم يخلون ساحات الاحتجاج السياسي ويتوجهون إلى فيافي الشمال الموريتاني بحثاً عن المعدن الثمين.
الكثيرون حزموا أمرهم وأخذوا زادهم وامتطوا رواحلهم من رباعيات الدفع اليابانية وحملوا خيمهم وتوجهوا نحو مناطق «تازيازت» و»تجريت» و»الدواس» عير عابئين بحمارة القيظ، للدخول في معركة الثراء السريع وذلك وسط معلومات تتحدث عن وفرة للذهب في تلك المناطق لا تتطلب مجهوداً كبيراً.
وبالأمس أكدت مصالح وزارة المعادن الموريتانية التي رخصت الأسبوع الماضي للأفراد بالتنقيب عن الذهب مقابل مكوس وشروط، «أنها استقبلت ما يزيد على 16 ألف طلب من مغرمين بالتنقيب عن الذهب».
وسيكون على الأشخاص المرخص لهم والذين تمتد طوابيرهم أمام جهات الترخيص، دفع ما يعادل 300 دولار للخزانة العامة مع الالتزام بشروط منها بيع حصيلة التنقيب لإدارة الأملاك المعدنية والالتزام بالتنقيب داخل المنطقة المحددة في الرخصة.
ومع توجه الآلاف نحو هذا النشاط ازدهرت أسواق الذهب في موريتانيا حيث وصلت قيمة غرام الذهب عيار 24 أمس إلى 13000 أوقية موريتانية ( حوالي 38 دولاراً).
واعتبر أحد المتابعين لهذا النشاط الذي يشغل الموريتانيين حالياً «أن إقبال القوى النشطة في المجتمع على التنقيب عن الذهب مظهر من مظاهر الحظ المبتسم للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، فالشباب انشغلوا بالذهب عن الاحتجاجات اليومية على البطالة والغلاء، والمكوس المفروضة على المنقبين أغاثت خزانة الدولة التي تمر بصعوبات هذه السنة».
ويرى الكاتب الصحافي عبد الله ولد سيديا في تدوينة علق بها على هذا الموضوع «أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على حقيقة وجود الذهب بهذه السهولة من عدمه، لكن يبدو من الغرابة بمكان، يضيف ولد سيديا، أن حمى ذهب تازيازت التي ذهبت بعقول الكثيرين اختارت توقيتاً ملائماً لمن يريد التغطية على أحداث سياسية جسام وعلى إخفاق اقتصادي غير مسبوق في تاريخ الجمهورية حديثة النشأة، حديثة العهد بأحلام الثراء السريع».
وأضاف الكاتب «تفجرت حمى ذهب تازيازت في وقت ارتفع فيه صخب التعديلات الدستورية، وأضحت طموحات المأمورية الثالثة رسائل يبشر بها الوزراء المتزلفون، وعندما تحطم جس النبض الدستوري هذا على صخرة الرفض لدى غالبية الموريتانيين، تفتقت عقبرية منظري هذا النظام، عن فكرة جهنمية حيث يعمي بريق الثروة أعين الجميع عن السياسة وغيرها، وستتجه أنظار المطحونين والمسحوقين إلى الذهب ومقالعه، فلا تقتلع المعتدين على دستور الجمهورية».
وتابع ولد سيديا تحليل الظاهرة قائلاً «هذه الفكرة، عدا أهميتها في التعمية السياسية، مستمرة فلا أطماع الثراء ستنتهي ولا شائعات الذهب أو رمال الصحراء ستحدها طموحات المنقبين ثم إن أساطير الذهب التي باتت أشبه بالملاحم ستحمل كل يوم وافدين جدداً إلى أحضان الصحراء لتفرغ الوطن من طاقاته الشابة التي كانت ستتفرغ لمقارعة الظلم والاستبداد وطموحات الاستمرار في السلطة، وأضحت هذه الطاقات اليوم مهمومة بالذهب حالمة به تاركة الوطن لأيدي العابثين».
وخلص الكاتب إلى التأكيد «أن حكومة الجبايات في جمهورية البرتقال، حسب قوله، لا يمكن أن تضيع فرصة ثمينة كهذه فقد سارعت إلى فرض ضرائب جمركية مرتفعة على أجهزة التنقيب وحددت أسعاراً باهظة للتراخيص ووعدت بشراء ذهب المغامرين إن هم عادوا بشيء من رحلة الصيد القائظة هذه».
يذكر أن الموريتانيين ظلوا عبر التاريخ غير مهتمين بالعكس من جيرانهم في مالي والسنغال، بالبحث عن الذهب رغم تنبؤ عدد من أوليائهم باحتواء صحاريهم على الذهب. 
ويعود ذلك لأسباب أبرزها اعتقادهم بأن كنوز الذهب مرصودة بالجن منذ عهد نبي الله سليمان وقد يتعرض المنقب عنها لضربة من ضربات الجن.
يذكر أن نشاط التنقيب عن الذهب بدأته شركة نحاس موريتانيا في ستينيات القرن الماضي، وذلك في منطقة إنشيري شمال البلاد بدون الحصول على نتائج تذكر واستمرت الحال على ذلك إلى أن اكتشفت شركة «لاندينغ» البريطانية منجم تازيازت عام 2003 باحتياطات كبيرة من الذهب فكان بداية دخول موريتانيا لمصاف الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من الذهب.
وتسعى شركة «كينروس» الكندية التي آلت إليها ملكية رخصة منجم تازيازت عام 2010، لجعل المنجم ثاني أضخم منجم للذهب في العالم، وذلك باستثمار 920 مليون دولار أمريكي موجهة لتطوير وتوسيع آليات الاستغلال.