رسالة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة

5 مارس, 2016 - 14:33

السيد الأمين العام:

لا يخفى عليكم ما تمر به منطقتنا العربية من تحولات جوهرية خلال السنوات الأخيرة، منذ بدأت الشعوب العربية تتلمس طريقها نحو الحرية وتحاول الخلاص من الأنظمة الإستبدادية التي جثمت عليها ردحا من الزمن لتخطوا أولى خطواتها نحو الديمقراطية والتعددية، إلا أن قوى الظلام والرجعية أبت إلا أن تحول منطقتنا إلى أنهار من الدماء في محاولة يائسة منها لتركيع الشعوب وكسر إرادة الأمة التي قررت أن تدفع ثمن الحرية مهما كان غاليا، لكن المؤسف ـ سيادة الأمين العام ـ هو موقف منظمتكم من هذه التطورات وتخاذلها الواضح الذي وصل حد التواطئ أحيانا كثيرة عن نصرة المضطهدين في أرجاء وطننا العربي.

السيد الأمين العام:

منذ أكثر من عشر سنوات وقطاع غزة الصامد يرزح تحت وطأة حصار خانق ويعاقب فيه نحو مليوني إنسان بالموت البطيئ والحرمان من الحق في الحياة الكريمة لا ذنب اقترفوه سوى أنهم احتضنوا مشروع مقاومة المحتل الصهيوني ورفضوا الاستسلام رغم الحروب المدمرة الثلاث التي شنها الاحتلال عليهم وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين العزل أغلبهم نساء وأطفال فيما لم تحرك منظمتكم ساكنا ولم تتخذ خطوات عملية جادة لردع الاحتلال عن جرائمه المتواصلة بل اكتفت ببعض البيانات والمواقف الهزيلة التي تساوي في أغلبها بين الضحية والجلاد، وقل الشيئ نفسه إزاء الانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون للمسجد الأقصى المبارك برعاية مباشرة من سلطات الاحتلال التي عجزتم عن إدانتها مرة واحدة خلال تاريخها الحافل بالانتهاكات.

السيد الأمين العام:

لقد تدهورت مصداقية منظمتكم كثيرا حينما عجزت عن وقف الدم السوري النازف منذ أكثر من 5 سنوات ووقفت متفرجة أمام جرائم نظام بشار الأسد الإرهابي الذي يرتكب كافة أنواع الجرائم ضد شعبه (جرائم الحرب، الجرائم ضد الانسانية، الإبادة الجماعية، التهجير القسري ..إلخ) انتقاما منه يوم أن طالب بسوريا حرة، ديمقراطية مزدهرة، أمام سمع ومرأى منظمتكم التي تتحمل المسؤولية عن مأساة الشعب السوري بتقصيرها في حماية المدنيين في أوقات النزاعات والحروب.

السيد الأمين العام:

إن الحال التي آل إليها وضع مصر الآن منذ الإنقلاب أول تجربة ديمقراطية تعددية فيها وتغييب أول رئيس مدني منتخب في تاريخها خلف القضبان ومعه الآلاف من أبناء الشعب المصري فضلا عن قتل آلاف أخرى في رابعة العدوية والنهضة والحرس الجمهوري وغيرها، تنذر بتحول هذا البلد إلى دولة فاشلة مما يتطلب مراجعة سريعة لسياسات منظمتكم وقطعها لكافة أشكال الدعم والتنسيق مع النظام الانقلابي العسكري حتى تعود البلاد إلى مسار الديمقراطية والتعددية الذي انحرفت عنه يوم 03/يوليو/2013 وتتم محاسبة المتسببين في انتهاكات حقوق الانسان التي وقعت منذ ذلك التاريخ.

لقد كان التدخل الدبلوماسي لمنظمتكم متأخرا ودون المستوى المأمول من أجل وضع حد لانقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة خارجيا على الشرعية في اليمن مما أنتج حالة من الصراع بين دول المنطقة على النفوذ في هذا البلد وأشعل حربا لم تلح نهاية لها في الأفق إلا أن من يدفع فاتورتها ويكتوي بنارها هم المدنيون في المقام الأول.

وفي ليبيا كان لمبعوث الأمم المتحدة للسلام مواقف غير مشرفة كشفت عنها بعض المراسلات بينه وبعض الدول الأطراف في الأزمة الليبية مما يضع مصداقية منظمتكم على المحك ويحتم المزيد من العمل من أجل استعادة ثقة الأطراف المتنازعة وتسهيل توصل الأطراف الليبية إلى حل سلمي ينهي الأزمة ويسمح ببناء مؤسسات ديمقراطية في ليبيا بعد سنوات الحرب.

السيد الأمين العام

لقد فقدت الشعوب العربية الثقة في منظمتكم وأصيبت بالصدمة والإحباط من مواقفها المتماهية مع الطغاة والمتناقضة مع ما تدعون إليه من مبادئ وتعلنون عنه من مواثيق لحقوق الإنسان وحق للشعوب في تقرير مصيرها واختيار نمط الحكم المناسب لها وأصبحت مواقفكم مدعاة للتندر والسخرية، مما يستوجب دق ناقوس الخطر من أجل العمل على تصحيح الاختلالات القائمة في المنظمة حتى تستجيب لتطلعات الشعوب وتتلائم مع المبادئ والقيم التي تدعوا إليها فقد علمنا التاريخ أن الشعوب أبقى من حاكميها وأن الطغاة إلى زوال مهما طالت فترة استبدادهم فالحق يعلوا ولا يعلى عليه.

عن المبادرة

الرئيس: حبيب الله ولد اكاه

نواكشوط بتاريخ 05/03/2016