أقدم محمد عبد العزيز الزعيم الخالد للبوليساريو على اتخاذ قرار مفاجئ وصادم في الوقت ذاته تمثل في عزل محمد لمين ولد البوهالي عن وزارة الدفاع دون سابق إنذار بعدما ظل ممسكا بخيوط ما يسمى جيش البوليساريو وكان لعقود الرجل الأقوى بعد رئيس الجبهة. قرار عزل ولد البوهالي كان صادما للغاية ونزل كالصاعقة على المعني نفسه ولم يستوعبه كل من حضر لتعيين ما يسمى حكومة البوليساريو، لتبدأ التأويلات والتكهنات في محاولة لفهم هذا القرار الذي وصف بالغريب. توزعت القراءات للقرار بين من عزاه إلى ضرورة التغيير التي تفرضها المرحلة وتلبية للمطالب الشعبية المتنامية لتغيير القيادة المعمرة بقيادة أخرى تفهم القاعدة وتسعى بجد لبلورة تصوراتها لحل شامل لنزاع دام لعقود، إلا أن هذه القراءة لم تكن صائبة بالنظر إلى أن التغيير لو كان فعلا مطلبا رسميا لانطلق التغيير من زعيم البوليساريو الخالد، ولشمل التغيير أيضا ما يسمى وزير الخارجية أو الوزير الأول أو غيرهما ممن ظلوا في معزل عن العزل أو التغيير رغم الحملات الجماهيرية التي تنادي برحيلهم والتي كان آخر مسرح لها المؤتمر الأخير الذي تمخضت عنه تشكيلة الحكومة الغريبة بكل المقاييس.
قراءة أخرى كانت أكثر عمقا لقرار عزل ولد البوهالي عن وزارة الدفاع كون الأمر يعكس بالضرورة سياسة البوليساريو في المرحلة المقبلة، وبأنها تحاول جاهدة إسكات الأصوات المنادية بالحرب وعلى رأسها ولد البوهالي الذي دشن خرجات إعلامية قوية هدد فيها بالعودة إلى الحرب، وهي الخرجات التي أحرجت البوليساريو وجعلتها في موضع المساءلة من طرف أنصارها حول صدقية تهديداتها على لسان وزير دفاعها السابق، ووضعت الجبهة في موقع المتطرف الداعي لإشعال الحرب بالمنطقة أمام المنتظم الدولي الذي يقود مفاوضات سلمية لإنهاء النزاع بصيغة توافقية ترضي كامل الأطراف بناء على حل واقعي قابل للتطبيق ولن يقبل بأي شكل من الأشكال أن يخضع للابتزاز والمساومة من خلال التهديدات المتتالية بالعودة إلى الحرب.
القراءة الأخيرة وإن اتسمت بكثير من الواقعية إلا أنها كانت يمكن أن تكون مقبولة تماما لو أن قرار تغيير وزير الدفاع اقتصر على إعادة تعيينه أو إلحاقه على الأقل بالمؤسسة العسكرية كقائد ناحية أو حتى جندي عادي، إلا أن قرار التغيير كان بصورة مذلة وفيها الكثير من الإهانة بعد تسمية ولد البوهالي وزيرا لما يسمى البناء و إعمار الأراضي المحررة وهو الذي قضى أكثر من 15 سنة وزيرا للدفاع، وهو ما يفهم منه انه قرار مقصود يستهدف عزل الرجل بشكل مهين يرمي معاقبته وكسر شوكته داخل قوات البوليساريو الذي تنامت شعبيته داخلها في السنوات الأخيرة واستطاع كسب عناصرها من خلال إطلاق يدها في كل الاتجاهات وعدم محاسبتها على جرائمها في حق ساكنة المخيمات، ولقاءاته السرية بقادة ما يسمى الجيش الصحراوي بهدف كسب تعاطفها، ولعل أسهم ولد البوهالي داخل المؤسسة العسكرية هي ما جعلته يرفض بشكل جريء قرار عزله عن وزارة الدفاع، ويستنكر تعيينه على رأس وزارة الإعمار في سابقة هي الأولى من نوعها منذ انتفاضة 1988 حيث لم يسبق لأحد من صقور البوليساريو الحاليين أن عارض قرارا لزعيم البوليساريو.
وقد قاد منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف المعروف اختصارا بفورساتين مجموعة من التحريات لفهم الأسباب الكامنة وراء العزل وسبب رفض ولد البوهالي القرار، وتوصل فورساتين بأخبار مؤكدة تفيد بان عزل ولد البوهالي جاء كعقاب ليس بسبب الأخطاء التدبيرية خلال تسييره لوزارة الدفاع رغم كثرتها، وليس بسبب خرجاته الإعلامية وتهديداته رغم خطورتها، وإنما صدر القرار شخصيا من طرف محمد العزيز بصيغة فردية بعدما قام ولد البوهالي بتقديم مداخلة في اليوم الذي سبق اختتام المؤتمر الأخير لجبهة البوليساريو ذكر من خلالها أن وجوده على رأس وزارة الدفاع تواجد صوري، ولا يستطيع حتى تعيين قائد ناحية، ولا قدرة له على التدخل في شؤون الأركان الحربية، وانه مقيد تماما ولا يستطيع فعل شيء باعتبار أن كل القرارات مهما كانت صغيرة لا يمكن أن تصدر إلا بأمر مباشر من رئيس البوليساريو الذي يملك كل الصلاحيات مهما كانت درجة أهميتها.
تلك التصريحات كانت كفيلة باتخاذ أمر مباشر بعزله عن وزارة الدفاع، بل والانتقام منه بصورة مذلة عبر تعيينه على رأس وزارة مدنية هي وزارة البناء وإعمار الأراضي المحررة التي ليست سوى وزارة صورية كما هو حال معظم وزارات البوليساريو، ولن يستطيع ولد البوهالي أن يعمر آو يبني شيئا لان لا وجود أصلا لأرض قابلة للإعمار، كما أن الإهانة الأكبر أن تعزل جنديا وتجعله خادما بمؤسسة مدنية، فكيف بولد البوهالي الذي جرب السلطة وألفها، وراكم عبرها ثروات مهمة من خلال منصبه السابق، وبالتالي لن يقبل بأي شكل من الأشكال التخلي عن منصبه، فكيف وقد تم عزله بتلك الصورة المهينة.
منتدى فورساتين