
تعاني كثير من الأنظمة السياسية خاصة في الدول ذات البنية الحزبية الهشة من اختلالات عميقة ناتجة عن تضارب مراكز النفوذ داخل السلطة ولا يكمن الخطر الحقيقي في وجوداختلافات داخلية بحد ذاتها فالتباين في الرؤى أمر طبيعي بل في تحول هذا الاختلاف إلى صراع أجنحة يستخدم أدوات الدولة وأسرارها كسلاح سياسي
-أولًا: مظاهر الاختلال
1.تسييس مؤسسات الدولة
قحين تنحاز أجهزة يفترض فيها الحياد (إدارية، وأمنية، ورقابية) إلى هذا الطرف أو ذاك، تفقد الدولة هيبتها وتتحول المؤسسات إلى أدوات صراع بدل أن تكون ضامنا للاستقرار.
2.استعمال التسريبات كسلاح.
فتسريب الوثائق والمعلومات السرية يعكس خللا مزدوجا:
-ضعف منظومة حماية المعطيات السيادية
-غياب أخلاقيات العمل السياسي
وهو سلوك لا يهدف إلى الإصلاح بقدر ما يسعى إلى الإحراج والتشويه وتصفية الحسابات.
3.تآكل الثقة بين الحاكم والمحكوم
عندما يرى المواطن أن النخب الحاكمة منشغلة بصراعات داخلية تتراجع الثقة في الخطاب الرسمي وينظر إلى الدولة باعتبارها كيانا متنازعا لا مشروعا وطنيا جامعا.
4.شلل القرار التنفيذي
حيث صراع الأجنحة يؤدي غالبا إلى تعطيل الإصلاحات إذ يصبح كل قرار محل تجاذب وكل مبادرة مهددة بالإفشال من داخل النظام نفسه.
ثانيًا: الآثار السياسية والاجتماعية
إضعاف صورة الدولة داخليًا وخارجيًا
فتح المجال أمام الإشاعات والاحتقان الشعبي
تشجيع المعارضة الراديكالية على استغلال الفوضى
تعميق الانقسام داخل الأحزاب الحاكمة نفسها
ثالثًا: الحلول الممكنة
1.إعادة الاعتبار لهيبة الدولة
عبر الفصل الصارم بين الدولة ككيان جامع وبين التنافس السياسي المشروع ومنع استخدام أجهزة الدولة في الصراعات الداخلية.
2.تفعيل المحاسبة دون انتقائية
أي تحقيق أو مساءلة يجب أن يكون مؤسسيا وشفافا لا أداة لتصفية الخصوم، الإفلات من العقاب
فالانتقائية أخطر من الفساد نفسه.
3.إصلاح الأحزاب من الداخل
إذلا يمكن لحزب حاكم منقسم أن يقود دولة مستقرة والمطلوب هو ديمقراطية داخلية حقيقية وتحديد مرجعيات القرار ومنع تعدد مراكز النفوذ.
4.تحصين المعلومات السيادية
عبر تشديد آليات الوصول إلى الوثائق وربط المسؤولية بالمحاسبة القانونية لأن تسريب أسرار الدولة ليس “بطولة سياسية” بل تهديد للأمن العام.
5.فتح قنوات الحوار بدل الصراع الخفي
فالصراعات غير المعلنة أخطر من الخلافات المكشوفة. والحوار الداخلي المنظم أقل كلفة من حروب الكواليس
ختاما:
إن أخطر ما يواجه أي نظام سياسي ليس المعارضة الخارجية بل التآكل الداخلي الناتج عن صراع الأجنحة فالدولة لا تُدار بالتسريبات ولا بالضغط الإعلامي بل بالمؤسسات والوضوح واحترام قواعد اللعبة السياسية وكل تأخير في معالجة هذه الاختلالات هو استثمار مباشر في عدم الاستقرار.

