“في خطى محمد” محمد الهادي الحسني

4 سبتمبر, 2025 - 00:00

صدق من قال “إن محمدا في الأنام كالقرآني في الكلام”، ولذا حاولت أن أكتب كلمة عن هذا الرجل العظيم، فلما أعياني الأمر لجأت إلى من أوتوا الفصاحة والبلاغة، فسحت في روائع الشاعر أحمد شوقي في همزيته :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمُ وثَنَاء

وفي بائيته :
سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل له على الجمال عتابا

وفي ميميته :
ريم على القاع بين البانِ والعلم أحَل سَفك دمي في الأشهر الحرم ..
فرحم الله عبده شوقي الذي يصح أن يُسمَّى ” بوصيري” ، ثاني بعد البوصيري الأول فهذا صاحب ” البردة” والآخر صاحب “نهج البردة”.. وقد استوقفني بيت شعري يقول فيه شوقي :
فَلَو أن إِنْسَانَا تَخَيْرَ مِلَّةً ما اختار إلا دينك الفقراء

فقلت لو أن شوقي استبدل كلمتي العقلاء أو الحكماء بكلمة الفقراء لكان أبلغ؛ ذلك لأن الناس جميعا فقراء إلى الله ولو كانوا أغنى الأغنياء، ولكن ليس كل الناس “عقلاء”، أو “حكماء”، فالرسل أنفسهم ليسوا سواء.
وأما الكتاب الثاني الذي قضيت معه وقتا جميلا فهو الكتاب الذي يحمل عنوان هذه الكلمة “في خطى محمد صلى الله عليه وسلم. فهو إضافة إلى معانيه الجليلة ومبانيه الجميلة من تأليف إنسان ليس على دين محمد، فهو غير مسلم، وهو ليس إنسانا عاديا، بل هو معدود من نخبة قومه وبني ملته، فهو صاحب عدة مؤلفات منها “في خُطى المسيح” و”لقاء المسيحية والإسلام”، وفي “خطى موسى”. وهو في كل ذلك من بني آدم الخطائين، “وكلكم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر”، الذي يضم الأعظم العطرات.. وهو سفير لبلاده في عدة بلدان، إنه الأستاذ “نصري سلهب”، النصراني الديانة، وقد يكون من خَلْف أولئك الأسلاف الذين إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول تفيض أعينهم من الدمع.
إن ما يعطي صدقية لهذا الإنسان أنه لم يكتب ما كتب رَغَبًا في أحد أو رَهَبًا من أحد، وما كتبه إلا اقتناعا بأن محمدا – عليه الصلاة والسلام – “هو أعظم العظماء”. (ص 195). وأن الكتاب الذي جاء به من عند الله هو “معجزة المعجزات”. (ص 337)، وأن “الإسلام دين الإنسانية”. (ص 376)، وأن الصحب الكرام المرضي عنهم من الله والراضين عنه هم “قَافِلَةٌ فريدة في التاريخ”. (ص 197)، ولهذا كله “استطاع – محمد – أن يحدث ثورة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة” (ص 196).
من أجل ذلك يدعو هذا الإنسان “إلى هذا الينبوع ينبغي أن نعود” (ص 470)، وقد دعا إلى هذا من قبل الإمام عبد الحميد ابن باديس في قوله: “إلى محمد أيتها الإنسانية”. وأنهى الأستاذ نصْرِي سلّهب كتابه بقوله “هذه ليست سوى شهادة أؤديها أنا المسيحي (ص 471). ندعو الله لأخينا في الإنسانية أن يهتدي إلى الحق وأن ينشرح له صدره. وينضم إلى القافلة السائرة على “خطى محمد”، فإن لامه لائم لتركه ما هو عليه فليقل مثل ما قال “أخ له” من قبل: ربحت محمدا ولم أخسر المسيح”. وهنيئا للإنسانية جمعاء بميلاد من أرسله الله رحمة للعالمين.