
ليست غزة وحدها المستهدَفَة من معادلة “الاستسلام مقابل الخبز” إنما هي جميع شعوب العالم المُستضعَفة لا استثناء لأحد. ليست الصهيونية مَن تفعل هذا فحسب بل كل الغرب المُتواطئ، والشرق الصامت، والعرب والمسلمين المخذولين التابعين، لا استثناء لأحد!
إنها معادلة تقول بوضوح: من أراد أن يعيش وأراد التنمية والازدهار اليوم، فلا بديل له عن الاستسلام لإرادة الرجل الأبيض الذي كان الاستعمارُ أداته في اجتثاث شعوب بأكملها وأصبحت الصهيونية اليوم بديلَه الجديد.
وإذا لم تفهموا هذا المعنى وأردتم مثالا حيًّا عمَّا نقصده، يقولون: ها هي فلسطين وغزة أمامكم؛ لن تأكل الخبز إلا بعد الاستسلام، أما إذا ما استسلمت فستعرف التنمية والإعمار والرّفاه المُزيَّف، الذي بات يعرفه البعض منكم كل بقدر استسلامه، بل يمكنها أن تُصبح “ريفيرا” الشرق الأوسط كما قالوا!
وعليه فإننا نقول: إن كانت غزة اليوم تبدو ساحة صراع محدود بين محتلّ غاصب للأرض ومقاومة تَصُدُّه صَدًّا بكلّ ما أوتِيَتْ من قوة، هي في الواقع اختزال تام للصّراع العنصري العالمي بجميع أشكاله وأدواته ووسائله في جانب.. وفي الجانب الآخر، من تحت أرجل ذلك المجاهد الصابر وهو يخرج مُواجها عدوَّه من نقطة الصفر، هي أيضا اختزال تامّ لِما بقي لنا من شرف وعزة نأكل الخبز معها بكرامة، لذلك فإِنْ انتصرت غزة سنعيش ونبقى مرفوعي الرأس وإن بالحد الأدنى من مُقوِّمات الحياة، وإن هي هُزمت، لا قدّر الله، فإننا سنضطرّ لعقود من الزمن إلى إيهام أنفسنا بأننا نعيش ونتقدّم حتى يستبدلنا الله تعالى بقوم آخرين لا يكونون أمثالنا ويعيدون الكرّة مرة أخرى لانتزاع الحق والكرامة.
لذا، علينا أن نُذكِّر أنفسنا اليوم ونحن نتناول كل قطعة خبز أو أيّ لقمة طعام نوصلها لأفواهنا أنها في ظل هذه المعادلة الظالمة تفوح منها رائحة الذلّ والمهانة والاستسلام.
لقد بيَّنت غزة حقيقة ذلك وحقيقة مَن يكون هؤلاء الذين هم من حولنا، وحقيقة هذا العالم الذي يزعم “الحضارة”، وحقيقة القوى الكبرى، والأمم المتحدة والديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وقواعد السلم والحرب وحقيقة كل تلك الشعارات الجوفاء… لا شيء منها موجودٌ.. كله زيف وخداع.. القوة وحدها هي المنطق الذي يحكم العالم ما دام المجرم نتن ياهو لا يتوقف عن سياسة التجويع والإبادة من دون خوف من أي عقاب، يدعمه مَنْ بأيديهم القوة والمال في العالم بكافة الوسائل في السّر والعلن.
لم يسبق أن عرف العالم خسّة ونذالة وحقارة كالتي بات يعرفها اليوم؛ الآلاف يموتون جوعا في غزة ولا يتحرّك فيه إلا القلة، الغذاء على بعد أمتار من الجوعى وهم محرومون منه ولا يتحرك سوى أفراد معدودين! المجرم النازي الجديد نتن ياهو يقتل المدنيين الأبرياء جوعا إن لم يستسلموا لظلمه وطغيانه والكل صامت إلا من رحم ربي من الغرب قبل الشرق!… أليس في هذا كل المعنى العميق لمعادلة الخبز مقابل الاستسلام؟!
إن الخبز لا يعني فقط ذلك الرغيف، إنما هو كل تلك الرفاهية التي يزعم الغرب أنه صانُعها لنا من ناطحات سحاب وحواسيب وهواتف وكافة منتجات العصر… وهو مستعدٌّ لتمكيننا منها بالشكل الذي نريد، بشرط واحد ووحيد هو الاستسلام في جميع المجالات. ولقد استسلمنا إلى حد الآن في أكثر من مجال، ينبغي أن نعترف، ومع ذلك مازالت غزة وحدها لم تلقِ السلاح، لعل أبطالها يعيدون لنا بعض الكرامة ويمدوننا ببعض الأمل.