الضرائب سلاح حكومي فتاك يهدد الموريتانيين

25 ديسمبر, 2015 - 12:24

يبدي الموريتانيون مخاوفهم من تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب تراجع عالمي في أسعار الحديد والذهب، وهما أبرز أعمدة اقتصاد البلاد.
ومع أن موريتانيا تزخر بمقدرات اقتصادية متنوعة، من غاز ونفط وما يكفي لتموين السوق العربي من الثروات السمكية، وأراض خصبة على ضفاف نهر عذب ممتد على سبعمئة كلم، وملايين من رؤوس الأبقار والجمال والأغنام.. إلا أن معاناة أبنائها المتفاقمة منذ عقود صاحبتها معاناة أخرى للمستثمرين، وهي عراقيل تحول دون انتعاش الاقتصاد في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين. ووفق دراسة أعدها مكتب التدقيق بالبنك الدولي حول الضرائب، جاءت موريتانيا في مؤخرة الترتيب وصنفت في المرتبة 49 من أصل 52 بلدا إفريقيا تفرض على الشركات أعلى الضرائب، تاركة وراءها  3 دول فقط، من بينها الجزائر التي جاءت في المرتبة 50. وهو ما يفسر انسحاب عشرات الشركات الدولية من موريتانيا، ومن بينها مصارف وشركات نقل.. وتبلغ نسبة الضرائب من الناتج المحلي الإجمالي في موريتانيا 15.4 في المئة. 
يبدي الموريتانيون والأجانب استغرابهم من ارتفاع أسعار التذاكر الخاصة بالطيران مثلا، فالتذكرة بين موريتانيا وشقيقاتها المغاربية تتراوح بين 700 و900 دولار في الوقت الذي لا يتجاوز ثمن التذكرة 200 دولار بين هذه الدول. ويرجح أن السبب هو ارتفاع الضرائب، ويقول مسؤول في الطيران الموريتاني أن الوكالة الموريتانية للطيران تضع على كل راكب أربعين دولارا، وشركة الطيران لها ضرائبها، وشركة المطارات تفرض خمسين دولاراً، وغيرها من المصالح التي تفرض ضرائب أخرى، وفي بلد يعاني أبناؤه ضيق اليد، يعتبر السفر إلى المجهول أهم وجهة لعشرات آلاف الشباب الجامعيين الذين باتوا يفضلون العمل في الحقول الزراعية في إسبانيا رغم مؤهلاتهم العلمية.
وفي العاصمة نواكشوط وغيرها من المدن، تبدو لعبة القط والفار هي المسيطرة على علاقة التجار بالسلطة. ففي شوارع المنطقة التجارية في قلب العاصمة باتت الضرائب تهدد تجاراً لا حول لهم ولا قوة.
ورغم مساعيهم للبحث عن حلّ معقول، تبدو الجهات المسؤولة عن الضرائب غير مهتمة. والأمر أشد بالنسبة لصغار الباعة الذين يواجهون ضرائب مجحفة مقارنة بأوضاعهم المزرية، ويقول جمال، وهو شاب عشريني من باعة الفواكه، وحاصل على شهادة عليا في الأدب المقارن أنّه لم يعد يحتمل الوضع .
ويبدو أن الحكومة توظف الضرائب كسلاح ضد خصومها السياسيين، فهي فرضت خلال الأعوام القليلة الماضية ضرائب على الشركات والخواص، وحتى على المؤسسات الإعلامية الوليدة التي أغلق العديد منها في عام 2015 لعدة أيام بسبب عدم القدرة على تسديد الضرائب.
وهددت إدارة الضرائب ممثليات السيارات في موريتانيا بإغلاقها ما لم تدفع الضرائب المفروضة عليها، والتي تصفها شركات السيارات بالمجحفة، حيث تمت مطالبة شركة تويوتا بتسديد مليار أوقية للضرائب، أما شركة نيسان فقد فرضت عليها ضريبة تقدر ب600 مليون أوقية، في حين فرضت على ممثلية هيونداي ضريبة 300 مليون أوقية.
وتمثل الضرائب سعي السلطات الموريتانية للحصول على السيولة النقدية لمواجهة الأزمة الخانقة في ظل تراجع أسعار الحديد والذهب في الأسواق الدولية.
ويطالب الدكتور الطالب مصطفى ولد أحمد سالم، الخبير المالي المتخصص في العلوم الضريبية وتقنياتها، بإصلاح النظام الضريبي ويعتبر أن الضرائب هي أهم مورد لتمويل موازنة الدولة محلياً وهي أبهى صور التكافل وتوزيع الثروة بين أفراد المجتمع، فكل ما نتخبط فيه من الفقر والتهميش يعود بالدرجة الأولى إلى عدم توزيع الثروة بين أفراد المجتمع توزيعاً عادلاً، كل هذه الأسباب تجعل من موضوع الإصلاح ضرورة لا مناص منها، ولن يتحقق ذلك بدون إصلاح ضريبي شامل وكامل.
ويعتقد أنه في ظل الإصلاح الضريبي لا بد من تبسيط النظام الضريبي القائم من خلال تقليل عدد الأسعار الضريبية وجعلها أكثر واقعية، وتوسيع الأوعية الضريبية مع استبعاد الفقراء، والتخفيف عن كاهلهم بشكل يقلّل من المصروفات الضريبية، ويفعّل من النظام الضريبي، ويجعله أكثر اتساقا وتناغما مع الأداء الداخلي المطلوب والتطورات الخارجية المتسارعة. فالإصلاح الضريبي مرتبط بإصلاح كل من النظام المالي و الاقتصادي، فلا يمكن تطور الدولة دون تطور المنظومة الضريبية وإصلاحها، وهو يجب أن يمر من زاويتين، الأولى على مستوى الإدارة، والثانية على مستوى النصوص القانونية المنظمة للقانون الضريبي. ويشدد على أهمية تخفيض العبء الضريبي على الدخل ومدخلات الإنتاج لتشجيع الاستثمار والإنتاج والادخار وتخفيف أعباء الرسوم الجمركية على المواد الأولية اللازمة للصناعة لتخفيض تكلفة الإنتاج، والعمل على إعفاء كل الصادرات التي تعتبر مورداً مهماً لجلب العملات الصعبة، ويجب على الخصوص العمل على سن قوانين واضحة في هذا المجال، ويجب النظر في بعض الضرائب والعمل على تكييفها حتى تتماشي مع الإصلاح.

المصدر