شكرا لشرفاء اليمن /حسين لقرع

26 مارس, 2025 - 01:49

ردّا على التجويع المنهجي الذي يمارسه الاحتلال بحقّ 2.3 مليون فلسطيني في غزة منذ 2 مارس الجاري، أعلن الحوثيون حظر البحر الأحمر مجدّدا على السفن الصهيونية، قبل أن تتطوّر الأحداث ويشرعوا في قصف تلّ أبيب ومطار “بن غوريون” لفرض حظر جوي أيضا على الكيان، منذ أن استأنف حرب الإبادة على غزة يوم 18 مارس.

يوميّا، يطلق الحوثيون صواريخ فرط صوتية على تل أبيب، وحتى إذا افترضنا أنّ الاحتلال قد نجح في اعتراضها جميعا كما يزعم، فإنّ الأكيد هو أنّ هذه الصواريخ قد حرمت 4 ملايين صهيوني من نعمة النوم العميق؛ ففي كلّ ليلة، يأوون إلى فرشهم وهم يترقّبون أن تدوّي صفارات الإنذار في أيّ لحظة، معلنة أن هناك صاروخا جديدا يمكن أن يسقط على رؤوس أيّ منهم في أي لحظة، فيستيقظون مذعورين ويهربون بسرعة إلى الملاجئ للنجاة بأرواحهم. وبديهيّ أنّ تكرار هذه الأحداث كلّ ليلة يزرع في نفوس المستوطنين الرعب والقلق والاكتئاب ويقضّ مضاجعهم بمرور الوقت.

وبالتوازي مع مواجهة الاحتلال وقصف ما يسمى “منطقة تل أبيب الكبرى” وإدخال 4 ملايين من سكّان 200 بلدة ومدينة إلى الملاجئ كلّ ليلة، يخوض الحوثيون حربا أخرى مشرّفة مع الولايات المتحدة في البحر الأحمر، من دون تردّد أو خوف، غير عابئين بتفوّقها العسكري السّاحق، ولا بالدمار الذي تخلّفه غاراتها على المدن اليمنية، وبلغت بهم الجرأة إلى درجة قصف حاملة الطائرات الأمريكية “يو آس آس ترومان” عدة مرات برشقات من الصواريخ والطائرات المسيّرة، ما أجبرها على الابتعاد عن سواحل اليمن بمسافة لا تقلّ عن 1300 كلم، كما اعترف مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، مايك والتز، لشبكة “سي بي آس”، بأنّ 75 بالمائة من حركة الشحن الأمريكية التي كان يجب أن تمرّ عبر البحر الأحمر تضطرّ حاليا إلى تجنّب المنطقة والمرور عبر الساحل الجنوبي لإفريقيا، بسبب ضربات الحوثيين! أليس هذا إنجازا لهم؟

في زمن تخلّى فيه العرب عن غزة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، وتركوا أهلها عرضة للمجازر والإبادة والتجويع طيلة 17 شهرا، واستسلموا بشكل مطلق ومذلّ للاحتلال، لم يهرب الحوثيون من مسؤولياتهم، ولم يدسّوا رؤوسهم في الرمال كالنّعامات، ولم يقفوا متفرّجين على ما يحدث لإخوانهم، وبادروا منذ نوفمبر 2023 إلى ضرب حصار بحري على سفن الاحتلال، وسفن حلفائه المتّجهة إلى موانئه، وقصفوا العشرات منها بالصواريخ والمسيّرات، وأجبروها على تغيير وجهتها باتجاه رأس الرجاء الصالح، ما كبّد الاحتلال خسائر اقتصادية جسيمة.

واليوم يستأنف الحوثيون حصارهم البحري على سفن الكيان، ردّا على قراره إغلاق المعابر ومنع الغذاء والماء والدواء والكهرباء وأساسيات الحياة عن فلسطينيي غزة منذ 2 مارس الجاري في محاولة يائسة لإجبار “حماس” على الرضوخ وإطلاق سراح باقي الأسرى الصهاينة من دون وقف دائم للحرب، وهو موقف شهم آخر سيسجّله التاريخ بأحرف من ذهب للحوثيين.

قد تستمرّ ضربات الولايات المتحدة لليمن أسابيع كما يتوعّد مساعدو ترامب بكلّ صفاقة وعنجهية واستعلاء، وقد يخسر اليمن الكثير من أبنائه ومقدراته ويتعرّض إلى دمار واسع، لكنّ تاريخ هذا البلد العريق يعلّمنا أنّ اليمنيين يملكون طول النّفس، والصّبر، ويمكنهم أن يحاربوا سنوات عديدة من دون أن يتعبوا أو يستسلموا.. لقد استعصى هذا البلد العريق على أعتى الإمبراطوريات عبر التاريخ، ولن تهزمه الآن الولايات المتحدة التي تعرّضت من قبل لهزائم مذلّة في فيتنام والعراق وأفغانستان..

لقد ردّ الحوثيون بطريقة مليئة بالأنفة والعزّة والشجاعة والتحدّي في زمن غلب عليه الجبن والانبطاح والعمالة للكيان ولأمريكا والحرص على إرضائهما بأيّ ثمن، ولو بالتخلّي عن قضايا الأمة وخذلان المقاومة والتآمر عليها.. فبوركت السواعد اليمنية التي تتحدّى أمريكا ولا تتردّد في ضربها وتقصف الاحتلال يوميّا بالصواريخ، أنتم والمقاومة في فلسطين فخر هذه الأمة وعزّها وشرفها، ما تفعلونه ليس قليلا أمام أكبر دولة في العالم، تهاب حتى القوى العظمى الأخرى مواجهتها وتحدّيها، وتسعى إلى اتّقاء غضبها بأيّ وسيلة.

قلنا في مناسبة سابقة إنّها مسألة إرادة وشجاعة وشهامة ورجولة، وليست مسألة قدرات عسكرية متطوّرة.. بلد أنهكته الانقسامات الداخلية والحروب والحصار والفقر، لكنّه ملتزم بواجباته الدينية والقومية والإنسانية ولا يتهرّب منها كما يفعل المطبّعون والعملاء والجبناء، فطوبى لصناديد اليمن وشرفائها وشكرا لهم على شجاعتهم ونخوتهم وأنفتهم ومسارعتهم إلى نصرة المقاومة في غزة وسكّانها المحاصرين المظلومين، ولا عزاء لكلّ جبان متخاذل أو مطبّع ذليل.