لم نعرف سوريا إلا وهي تحت حكم الأسد، الأب حافظ، تمسَّك بالحكم من بداية سنة 1971 إلى غاية منتصف سنة 2000، والابن بشّار من بداية الألفية إلى نهاية سنة 2024، فما كان للشعب من كلمة، غير زئير الأسد والشبل، لفترة زمنية فاقت نصف قرن، بثلاث سنوات، حتى ظننّا أن قدر سوريا أن تبقى في العرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
عندما نشاهد ونستمع لرؤساء بلدان في كل بقاع العالم، يُنظّرون في تاريخ سوريا وجغرافيتها وثقافتها، حتى تحسّ بأنها قطعة من بلدانهم، وتعترف الولايات المتحدة الأمريكية صراحة، بأنها لن تفرِّط في مصالحها في سوريا، وينسى الكيان المحتلّ الوحل الغارق فيه في غزة، لأجل قصف أماكن عسكرية في بلاد بلا رئيس، نشعر بالخوف من أن تُجرّ سوريا إلى مصير مشابه للذي عاشته العراق بعد انهيار نظامها الديكتاتوري، في مارس 2003، ويزداد الخوف، لأن سوريا بلاد حضارة، والمتداعين حول قصعتها الدسمة، كُثر، بين من يريد أن يكون، عندما أغلقت الأبواب جميعها، في وجهه، وبين من يبحث عن مزايا، وبين من يهمّه أن تعيش بلاد الشام جحيم الحرب الأهلية المفخَّخة بالفتن، التي عاشها الجار لبنان وعاشها العراق ومازال.
أملنا أن يبني الشعب السوري المتحضِّر وطنه على مسار الابتهاج وصور الأفراح التي صنعها الناس، غداة سقوط النظام العلوي، بعد أكثر من نصف قرن، بين أسد وأسد، وتفادي الفتنة التي دُفع إليها الشعب العراقي، الذي مازال إلى حد الآن، يتجرع من الكؤوس التي سُقي بها من الذين يحسدون عاصمة الخلافة العباسية في تاريخها وجغرافيتها، كما يحسدون بالتأكيد عاصمة الخلافة الأموية في تاريخها وجغرافيتها.
تتميز سوريا عن بقية بلاد العرب، بإنجابها المفكرين والكتَّاب والعلماء المميزين، وهو ما يُغلّب التفاؤل في الحالة السورية، في مستقبل منير، على التشاؤم الموروث من تجارب مشابهة، فالبلاد التي أنجبت مسلم عناية وأكرم الحوراني ومحمد الماغوط وبرهان غليون ومصطفى العقاد، والمئات مثلهم، لا يمكن أن تقع في الوحل الذي يريدونها أن لا تخرج منه، وحتى الذين يراهنون على الطائفية المقيتة، ربما لا يعلمون بأن السوريين هم أول من نبّه للفتن الطائفية المقيتة، وأول من فكَّكها فكريا وجعلها بردا وسلاما، والذين يريدون لمهد الخلافة الأموية نفس مصير مهد الخلافة العباسية، واهمون.
خرجت سوريا من عرين الأسد أو بعبارة أدقّ “الأسدين”، وهي لا تريد أن تدخل جحور الآخرين وأوكارهم، فقد عاشت بلاد الشام حرة عندما كان المتداعون حول قصعتها الآن، في الفطام أو لم يولدوا أصلا، وسيُكفكف دمعك يا دمشق، في أقرب الآجال، وتعودين إلى دورك القيادي في البلاد العربية.