واجه قرار وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي الأخير، بإعطاء بعض المدارس الاجنبية الاذن بتدريس مناهجنا التعليمية في موريتانيا
جدلا واسعا لدي الرأي العام الوطني بين مؤيد ومعارض لهذا القرار الذي يعتبره البعض انتهاكا لقيم المجتمع وتهديدا لهويته الحضارية ومخالفة لقرارات المدرسة الجمهورية.
لماذا تسمح الحكومة الموريتانية لمدارس أجنبية المنهج دون غيرها بتدريس الأقسام الإبتدائية وفق مناهج دولها وبلغات اجنبية.؟
لماذا يسمح لمدارس خصوصية بخرق مبادئ تعميم المدرسة الجمهورية ؟
وتساءل البعض هل بدأ "لفرانكفونيون" فى بلادنا يتغولون الي درجة القفز على القرارات الحكومية، وينتقون مدارس خصوصية على حساب أخرى، وعلى حساب مقررات الدولة وبرامجها الخاصة بالتعليم والمدرسة الجمهورية كخيار وطني.
يسعى آباء التلاميذ إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس أجنبية، وقد تكون دوافعهم مقبولة ولها مبرراتها الموضوعية.
لا سيما في ظل اعتبار التعليم أساس بناء شخصية الإنسان وتكوينه العقلي والنفسي والاجتماعي.
ومع ذلك، فإن الحديث عن خطورة المدارس الأجنبية ،على الهوية والثقافة والقيم و مسألة الانتماء إلى الوطن الام لاتزال هاجس الكثرين
لا يتوقف الخوف عند هذا الحد بل يتعدا ويصل الا أن أغلب مناهج هذه المدارس الأجنبية تكون تابعة بالأساس للدولة مالكة المدرسة
وفق مناهجها الاجنبية بتدريس مناهجناالتعليمية. و منظومتها التربوية، التي هي إما فرنسية اوأميركية أو بريطانية أو ألمانية اوتركية اوصينية وغيرها.
وتظل قواعد التعليم في هذه المدارس الأجنبية، تخضع لمبادئ وشروط واجندات من انشئوها.
و هو ما يجعل البعض ينظر إليها بالكثير من التشائم والسلبية والتحفظ.
وذلك في ظل تمسكها بأن تكون مواد اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية والمدنية “استثنائية” وليست أساسية.
وإذا تم تدريسها فيكون ذلك على استحياء، فقط لإرضاء الدولة المستضيفة، وهو ما ينتج عنه تخريج طلبة مشوهي الهويّة والثقافة والتاريخ.
والخوف من تغيير ثقافة طلبة المدارس الأجنبية وهويتهم،هو أمر ممكن ووارد
تواجه هذه المدارس في الوقت الحالي حملة شرسة ضد وجودها.
لأسباب تتعلق بتخريج شباب منقسمين وموزّعي الوجدان بين اللغة التي يدرسون بها ولغة المجتمع الأم الذي يعيشون فيه.
فهم لا يعرفون شيئا عن تاريخ وثقافة بلادهم، ويعانون الاغتراب، وازدواجية الشخصية
علاوة على مبررات أخرى، منها أن هناك أبعادا وأغراضا سياسية لدى البلدان الأجنبية "المستعمرة"صاحبة المدارس ، تستهدف الاحتلال الفكري والعقلي والاستلام الحضاري للشباب.
يضاف إلى ما سبق، أن المدارس الأجنبية تقوم بمهمات خطيرة علي النسيج الاجتماعي - اي انها تشجع على الطبقية والعنصرية والتمييز الغير إيجابي بين أبناء المجتمع الواحد، خاصة
ضف الي أن تكاليفها الدراسية الباهظةلا تقدر عليها سوى الفئات ميسورة الحال" الطبقة البرجوازية"، مما يجعل من اقبال أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة أمرا مستحيلا، ففي بلادنا مثلا تصل التكاليف في السنة الدراسية الواحدة. الي المليون اوقية سنويا.
ويرى مراقبون أن أكبر أزمة في المدارس الأجنبية هي أن أكثريتها لا تخضع لرقابة مشددة اوتفتيش من جانب الدوائر الحكوميه
مما يؤدي إلى أن يكون بعض من مناهجها الدراسية يحتوي على دروس ومعلومات مغلوطة ومجافية للحقيقة، وتصبح مع الوقت مسلّما بها عند الطالب، فلا يستطيع تغييرها أو الإيمان بعكسها بسهولة.
ورغم سلبيات هذه المدارس الأجنبية ، هناك من يبرر وجودها بأنها نتاج لتدهور التعليم العمومي، وبالأخص تجاهل الاهتمام بتدريس للغات العالمية خصوصا اللغة الإنكليزية في المدارس العمومية لما قبل الحامعي، رغم أنها لغة عالمية يسعى الجميع لتعلمها في الشرق والغرب على حد سواء،
ويقول أصحاب هذه النظرية إنه لو كان هناك أسلوب حديث ومتطور في التدريس العمومي لما نشطت هذه المدارس الأجنبية إلى هذا الحد.
ويشير تربويون إلى أنه حتى لو كانت للتوسع في المدارس الأجنبية داخل بلادنا أهداف سياسية، تتستر وراء مناهج تعليمية، فإنها مع ذلك تمثل ضرورة حضارية وتعليمية معاصرة، وإن كانوا يطالبون بأن يكون ذلك تحت رقابة الأجهزة المسؤولة في الدولة.
وفق ومنهجها التعليمية الرسميةومقارباتها التربوية بدمج تعليم للغات ضمن مناهج المدرسة الجمهورية
مما يمكن من التحكم في عدم تغيير ثقافة طلبة المدارس الأجنبية وهويتهم.
العولمة في كل بيت:
يرى بعض المرشدين التربويين أن نسبة الطلبة الموريتانيين في المدارس الأجنبية
في تزايد خصوصا مع فشل الإصلاحات التعليمية في بلادنا منذ الاستقلال و الي اليوم
مما يدعوا وبسرعة الي مراجعة أنظمتنا التعليمية مما يتماشى وحاجة العصر ومتطلبات سوق العمل.
وخلق رقابة شديدة على المناهج التي تدرسها هذه المدارس الأجنبية وطبيعة التعامل معهم، ومعرفة التكوين الثقافي والنفسي لديهم.
و فيما يرفض البعض فكرة التخلي الأبدي عن هذا النوع من التعليم الأجنبي ويؤكد أنه مطلب عصري تفرضه اكراهات العولمة.
ويحتجون بمبررات منها ان العولمة والثقافة الغربية أصبحتا موجودتين في كل منزل تقريبا من خلال التكنولوجيا، العصرية فالطالب في المدرسة الحكومية وغيرها يبحث عن تعلم الثقافات الأوروبية وفرص العمل والانتاج ، سواء من خلال الإنترنت أو الوسائط البديلة والسريعة والحصول علي المعلومة بجهد قليل أو عبر ألعاب الكمبيوتر..... وحتى من خلال الأفلام الأجنبية
، وبالتالي يعدّ الحفاظ على الهويّة والدين والثقافة والعادات والتقاليد، أحد أهم مسؤوليات الأسرة، والمجتمع والمؤسسات لتربوية والدولة وخلق وسائل رقابة قبلية.
وأمام تحول العالم إلى مجتمع صغير وقرية واحدة ، وتتعالي الأصوات التي تنادي بضرورة وجود حوار بين الثقافات لتقاربها كإحدى سمات هذا العالم الجديد، تبرز أهمية التوسع في التعليم داخل الدول العربية والاسلامية ، لكن ذلك لا يجب أن يتم بعيدا عن رقابة الحكومات
حتى لا تتحول المدارس الأوروبية إلى أماكن استعمار العقول، "الاستعمار الجديد" وبوسائل متطورة.
وتصبح “دولة أجنبية داخل الدولة ا”، وهذا أكثر ما يثير المخاوف.
يستبعد معنيون بالشأن التعليمي أن تقدم أي دولة عربية أو افريقية على اتخاذ خطوات من شأنها التضييق على المدارس الأجنبية، في ظل التقارب العربي الإفريقي الأوروبي مؤخرا، وتحوّل هذه المدارس إلى نقاط تفاهم، حتى أن البعض منها صار يشبه بمقار السفارات، كدليل على التواصل الرسمي بين الدول صاحبة المدرسة والبلد صاحب الأرض.
ويقول هؤلاء إن حرص الأسر على تسليح أبنائها من خلال المدارس الأجنبية بالعلم وروح العصر الذي يعيشون فيه، لا يجب أن يتم على حساب تحولهم في ما بعد إلى طلبة "مهجّنين،" لا عربٍ ولا غربيين، في ظل عجزهم عن تحقيق التوازن بين الطريقة التي يتعاملون بها داخل المدرسة، والأخرى التي يمارسون بها حياتهم مع باقي أفراد المجتمع.
أن “الأسرة عليها الدور الأكبر في الرقابة والتوجيه بخصوص الثقافة والهويّة والدين، حتى وإن كان للتعليم الأجنبي سلبيات، لكنه ليس مليئا بالشرور، بل إن هناك مدارس تؤسس النشء بطريقة تجنبهم الخلل وتشجعهم على الانفتاح والتقدم”والاستفادة من خبرات العصر..
*المصدر:زاوية" دردشة علي الورق "لتي يكتبها الكاتب في صحيفة الصدى الموريانية الورقية العدد 371 بتاريخ الاثنين 28/10/2024