“حزب الله” لا يزال حيّا /حسين لقرع

29 سبتمبر, 2024 - 13:47
حسين لقرع/كاتب واعلامي جزائري

لا ريب أنّ وصول الاحتلال إلى مكان الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، واغتياله بعد 18 سنة كاملة من نجاحه في التخفي، هو ضربة موجعة جديدة للحزب، بل هي أشدّها إيلاما وتأثيرا بعد اغتيال عدد من كبار قادته في الشهرين الأخيرين.
ما يثير الاستغراب والدهشة، أنّ الاحتلال كان يصل إلى قادة كبار لـ”حزب الله” تباعا على مدار الشهرين الماضيين واغتيالهم من دون أن يتمكّن الحزب من اكتشاف هذا الاختراق الاستخباراتي الكبير ومعالجته، والبداية بقائد أركانه فؤاد شكر في 30 جويلية الماضي، ثم قادة آخرين أبرزهم عقيل و16 من كبار قادة “وحدات الرضوان”، النخبة القتالية للحزب، وكان واضحا تماما أنّ الحزب مخترق حتى النخاع، وأنّ هناك عملاء للاحتلال وصلوا إلى قمة هرم القيادة، ويجب أن يبذل جهدا كبيرا لكشفهم وتصفيتهم للحفاظ على من بقي من كبار القادة، وفي الوقت ذاته، ينبغي أن يكفّوا عن الاجتماع في أماكن معلومة بالضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها، فذلك أدعى لكشفهم واغتيالهم، لكنّ يبدو أن “حزب الله” قد فشل في كشف هؤلاء العملاء، كما لم يستخلص أيّ عبرة من اغتيال العديد من قادته، وواصل اجتماعاته وكأنّ شيئا لم يكن، وهذه المرة، وقع الأسوأ وشارك أمينه العام في اجتماع الجمعة في مقر القيادة العامة للحزب بضاحية بيروت، ووصلت “المعلومة الذهبية” إلى الاحتلال، فاغتنم الفرصة وقصف المقر بـ85 قنبلة عملاقة خارقة للتحصينات تزن كل منها 970 كيلوغرام، وسوّاه بالأرض تماما وقتل نصر الله ومن كان معه.
ما حدث لمجموعة من كبار قادة “حزب الله” طيلة الشهرين الأخيرين سيبقى لغزا غريبا يستعصى فك شفراته؛ فلماذا كان هؤلاء القادة يعقدون اجتماعاتهم في عمارات وكذا مقرّات قيادة فوق الأرض وهم يعلمون أنّ العدو وعملاءه يتربّصون بهم الدوائر في كل لحظة؟ لماذا امتنعوا عن استعمال الأنفاق في اجتماعاتهم وإدارة معاركهم كما يفعل السنوار وكبار قادة “القسام” في غزة؟
أسئلة عديدة تطرح منذ اغتيال شكر وقادة “الرضوان” وتفجيرات “البايجر” والهاتف اللاسلكي، إلى اغتيال نصر الله وقادة آخرين.. والأيام كفيلة بالإجابة عنها، لكنّ ما يحصل للحزب من اختراق واغتيال لكبار قادته هو إخفاق له في وقت كانت فيه غزّة تحتاج إلى نصر واضح يحقّقه الحزب على حساب الاحتلال لكسر شوكته في لبنان كما كسرت من قبل في غزة، فلا يجد معها بدّا من إنهاء الحرب على الجبهتين وعقد صفقة تبادل بشروط المقاومة الفلسطينية. الآن، بات الاحتلال يتبجّح بانتصاراته المتتالية في الجبهة اللبنانية، ويتوعّد غزة بالويل والثبور.
الحروب سجال، يوم لك ويوم عليك، نأمل فقط أن يتجاوز “حزب الله” صدماته المتتالية، ويستعيد توازنه بسرعة، ويختار أمينا عامّا جديدا، ويعيد هيكلة صفوفه، ويواصل معركة إسناد غزة ضد الاحتلال.. لقد قدّم الحزب تضحيات كبيرة طيلة سنة من حرب الاستنزاف التي شنّها على العدو، وممنوع عليه الهزيمة والانكسار في آخر المطاف، وليستخلص العبر من الثورة الجزائرية التي فقدت عددا من كبار قادتها، وفي مقدّمتهم مصطفى بن بولعيد، وديدوش مراد، والعربي بن مهيدي، وعميروش… لكنّها تجاوزت صدمات فقدهم الواحد تلو الآخر وواصلت الكفاح ضدّ الاستعمار الفرنسي إلى أن انتصرت، كما فقدت “حماس” قادتها أحمد ياسين والرنتيسي، إسماعيل هنيّة وغيرهم… لكنها لا تزال صامدة تواجه العدوّ الصهيوني بثبات وشموخ. الشعوب هي التي تنجز حروب التحرير، وليس القادة وحدهم، ولئن اغتيل نصر الله، فإنّ “حزب الله” لا يزال حيّا ويقاوم.
الكيان تجاوز كل الخطوط الحمر باغتيال نصر الله، أحد ألدّ أعدائها، أملا في جر المنطقة إلى حرب شاملة تدخلها الولايات المتحدة إلى جانبه وتدمّر إيران ومحور المقاومة كلَّه، وبعدها يسهل عليه تصفية القضيّة الفلسطينية إلى الأبد وفرض الاستسلام على العرب جميعا، وما على “حزب الله” الآن إلا أن يخرج بدوره من تردّده ويكون ردّه في مستوى دماء أمينه العام، وإذا فرض عليه الاحتلال حربا شاملة، فلتكن كما وعد المرحوم نصر الله: “بلا سقف أو حدود أو ضوابط”.