بعد نفوق ما يقرب من 200 ألف أسد، قبل قرن، بدأ العلماء والخبراء يحذّرون من انقراض الأسود التي أصبح عددها في البرية حاليا لا يتجاوز 20 ألف أسد، منذرين باحتمال تراجع هذا العدد يوما بعد يوم.. هذا الخبر المحزن، يقودنا إلى التّفكير في واقع أمتّتنا المنكوبة التي تعاني في العقود الأخيرة نزيفا حادا في أسودها لحساب جيل جديد من الشّباب ما عادت “الرّجولة” تعني بالنّسبة إلى كثير منهم شيئا، وما عاد التميّز عن النّساء في لباسهم وكلامهم وطباعهم أمرا يستحقّ الاهتمام!
قبل أكثر من 86 سنة، جلس بين يدي الشّيخ عبد الحليم بن سماية -المتوفى رحمه الله سنة 1933م- شابّ يسأله كالمستنكِر: هل صحيح يا شيخ أنّ الذّهب حرام على الرجال؟ فصعّد الشّيخ نظره إليه وصوّبه ثمّ قال: عندما تكونون رجالا، يُحرم عليكم الذهب! هذا ما قاله الشّيخ ابن سماية في ذلك الزّمان لشابّ لا شكّ في أنّ حاله لم تصل أبدا إلى الحدّ الذي وصلت إليه حال كثير من شباب هذا الزّمان، من تخلٍّ كامل وتنازل تامّ عن سمات وعلامات الرّجولة!
واقع مزرٍ لشبابٍ فقد بوصلته
أصبح كثير من أبنائنا الشّباب لا يميّزهم عن النّساء سوى أسماء مدوّنة في البطاقات الشّخصية؛ شباب لا يغادر الواحد منهم بيته في الصّباح حتى يقضي وقتا ليس بالقصير أمام المرآة، يستأصل كلّ سواد يمكن أن يعكّر بياض وجهه، ويموّج شعره بالدّهن أو يجعله على شكل مكنسة أو يسنّمه على هيئة عرف الدّيك أو سنام البعير، وربّما يطيله ويجمعه خلف ظهره؛ يلبس الضيّق والمتدلّي والملوّن والمزري من الثياب، ويضع من أجود أنواع العطور؛ يطوّق رقبته بسلسلة ومعصمه بإسورة، ويجعل في إحدى أذنيه قرطا وفي الأخرى سمّاعة تحافظ على رقّة مشاعره ورهافة أحاسيسه بأغانٍ عاطفية تناسب ذوقه، ثمّ يخرج متمايلا في مشيته متغنّجا في حركاته، إذا تكلّم تذلّل في كلامه ومطّط شفتيه وحرّك عينيه وحاجبيه، وإذا ضحك طاولت قهقهته السّحاب؛ لا تسمع له حديثا إلا في سفاسف الأمور وترّهاتها، ولا تعرف له هما إلا ما تعلّق بأخبار نجوم الرياضة والفنّ، وقصص الهيام والغرام، ومغامرات الطّيش والعبث في الهاتف وعلى صفحات الأنترنت؛ إذا نظرتْ إليه أو كلّمتْه لعوب ذاب في جلده، ونسي ماضيه وحاضره ومستقبله، وغرق في بحر العواطف وضيّع دنياه كما ضيّع دينه.
واقع صنعته وسائل الإعلام
هذا الواقع المرير الذي يعيشه شباب هذه الأمّة، هو حصادٌ مرّ لمكر اللّيل والنّهار الذي مارسته وسائل الإعلام على مدار عقود متوالية على عقول وقلوب شبابنا، عن طريق الرّسوم المتحرّكة والمسلسلات والأفلام التي نقلت شباب هذه الأمّة من ميادين صراع الحضارات إلى ميادين الشّهوات، وأنستهم قدواتهم من الصحابة الفاتحين والأئمة المرضيين، وصنعت لهم قدوات جديدة من شواذّ الفنانين والممثّلين والرياضيين، وأغرتهم بكسر الحدود والحواجز المادية والمعنوية بين الرّجال والنّساء، ودعتهم إلى إلغاء الفوارق بين الجنسين في اللّباس والعادات، فكان ما كان وبليت الأمّة بجيل لا تفرّق فيه بين سعد وسعاد.
يحدث كلّ هذا في وقتٍ تتداعى فيه الأمم على أمّة الإسلام وتتنافس على نهب خيراتها وتدنيس مقدّساتها وانتهاك حرماتها، واستباحة دماء وأعراض أبنائها، ولا تجد الأمّهات والأخوات المكلومات في فلسطين وأفغانستان وبورما وافريقيا الوسطى إلا أن ينادين: ألا هل من صلاح، هل من عمر؟
الأمّة في أمسّ الحاجة إلى شباب يحذون حذو الضّراغم، أصحاب همم عالية ونفوس أبية تتعالى على الشّهوات وتترفّع عن السّفاسف والترّهات؛ تكسر القيود وتزأر كالأسود لتسترجع المسلوب ويتحقّق على سواعدها الموعود.
هزائم صنعتها الهمم المتدنية
في زمن من الأزمان، أراد أعداء الإسلام غزو بلاد المسلمين، فأرسلوا جاسوسا لهم يستطلع الأحوال ويتحسّس الأخبار، وبينما هو يسير في حيّ من أحياء المسلمين، رأى غلامين في أيديهما النّبال والسّهام، وأحدهما قاعد يبكي، فدنا منه وسأله عن سبب بكائه، فأجاب الغلام وهو يجهش بالبكاء: “إنّي قد أخطأت الهدف”، ثمّ عاد إلى بكائه. قال له الجاسوس: لا بأس عليك، خذ سهماً آخر، وأصب الهدف! فقال الغلام بلهجة غاضبة: “ولكنّ العدوّ لا ينتظرني حتى آخذ سهماً آخر وأصيب الهدف”. ذهل الجاسوس وما كان منه إلا أن عاد إلى قومه، وأخبرهم بما رأى، فعلموا أنّ الوقت غير مناسب لغزو بلاد المسلمين.
ثمّ مضت السّنوات، وتغيّرت الأحوال، وأراد الأعداء غزو بلاد الإسلام، فأرسلوا جاسوسا لهم، يستطلع لهم الأخبار، وحين دخل بلاد المسلمين رأى شابّاً في العشرين من عمره قاعداً يبكي، فدنا منه وسأله عن سبب بكائه، فرفع رأسه، وقال مجيباً بصوت يتقطّع حسرة وألماً إنّ خليلته التي منحها مهجة قلبه وثمرة فؤاده قد هجرته إلى الأبد، وذهبت إلى غيره، ثمّ عاد إلى بكائه! وهنا تفتّحت أسارير الجاسوس، وعاد إلى قومه يفْرك يديه مبشّراً إياهم بالنّصر.
وتبقى الغفلة عن الدّين السّبب الأهمّ
إنّنا لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه لو تنبّهنا منذ البداية إلى خطورة ما ترمي إليه وسائل الإعلام التي تحرّكها من خلف السّتار أيادي الخبث والمكر والنّفاق التي لا تريد لهذه الأمّة أن تعود إلى سابق عهدها، ولم نكن لننحدر إلى هذا الدّرك الذي هوينا إليه لو اعتصمنا بديننا، وربّينا أبناءنا على الحديث الذي نحفظه ولا يعمل به كثير منّا، حديث ابن عبّاس، رضي الله عنه، قال: “لعن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، المخنّثين من الرّجال، والمترجّلات من النّساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم”، ووصيّة الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حينما كتب إلى ولاته يقول: “إياكم والتنعّم بزيّ العجم، وعليكم بالشّمس فإنّها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا، وأعطوا الركب أسنّتها، وانزُوا نزوا وارموا الأغراض”.