هل يعلن الشعب “السعودي” نقمته على “عاصفة الحزم” عندما “تحزم” الرفاهية حقائبها؟ ويحل “التقشف” ضيفاً ثقيلاً؟!
لربما لا نكشف سراً إن قلنا أن الشعب السعودي الشقيق، أو بعضه بات لا يفهم مثلنا مغزى استمرار “عاصفة الحزم” التي أعلنها نظام بلاده منذ شهور على اليمن اللاسعيد، بهدف القضاء على التحالف “الحوثي الصالحي” الذي سيطر على العاصمة صنعاء، وقلب كل الموازين السعودية لصالح “الشيطان الإيراني” كما يفضل أن يطلق عليه كتاب المملكة، حتى يريحوا قادتهم، ولربما ضمائرهم!
وحتى لا يقول البعض أننا نجرب إحصائيات وهمية، ونتحدث نيابة عن شعب المملكة، دعونا نأخذ جولة “تفقدية” في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، ونطالع جيداً تلك التغريدات، والتعليقات التي يتم تداولها من قبل المغردين السعوديين البسطاء منهم والمثقفين أحياناً، أحدهم يقول “يبدو أن ثرواتنا تذهب هباء منثور في سماء اليمن”، والآخر يؤكد أن الضرائب التي تتوعدهم الدولة بها، والاقتصاد المتدهور، هي نتاج مؤكد، وتبعات مؤسفة لتلك الحرب “الحازمة” التي بدأت على ما يبدو بأكل اليابس والأخضر السعودي، وخصصت بضم الخاء مليارات لها من خزينة المملكة، كان فقراء السعودية أولى بفتات منها على الأقل.
ليس وحده الشعب من يعبر عن امتعاضه، وربما غضبه من حرب بلاده “العاصفة” التي يقال وحسب خبراء محايدين أنها لم تعد تجد أهدافا لضربها، ولم يبق لها إلا قصف المدنيين من أهل اليمن العزل، الإعلام السعودي الخاص، والغير محسوب تماماً على الحكومة السعودية أيضاً له رأي مماثل، وإن “رماه” على خجل، ففي حلقة من برنامج “ياهلا”، والذي يقدمه الإعلامي علي العلياني على شاشة قناة “روتانا خليجية”، قال العلياني للعميد ركن أحمد عسيري الناطق باسم عمليات قوات التحالف، “طولت”، و “طولّت” هذه جاءت في محضر حديث العلياني عن “عاصفة الحزم” وعن جدول زمن عمليات لها، ولا نريد هنا أن ننقل إجابة العميد عسيري فإجاباته التي تعد بالتوقف عن “الحزم” حتى تحقيق الأمن والأمان للشعب اليمني سمعنا منها الكثير الكثير، والعلة والمشكلة أنه لم يستطع إقناعنا يوماً بحججه، وتبريراته، فالإقناع دائماً ليس بالأمر اليسير.
امتعاض الشعب السعودي من “الحزم”، يتعدى كونه مبدئياً امتعاضاً اقتصادياً، بل يتعدى ذلك إلى كونه بات يتحول إلى خوف ورعب من تلك الهجمات المضادة التي يشنها الحوثيون على المحافظات السعودية القريبة من الحدود اليمنية، وما تبثه قناة “الميادين”، نقلاً عن الإعلام الحربي اليمني على التوغل “الحوثي” داخل نجران وجيزان وعسير أكبر دليل على الهواجس السعودية الشعبية والحكومية، وهو ما يحاول الإعلام العربي، وحتى الغربي التعتيم عليه، فالصفعات التي تتلقاها السعودية يومياً في اليمن، وملفات أخرى عديدة، تكفيها، والألم الناتج عنها بات يؤذيها!
بالتأكيد سيجادلنا بعضكم، ويحدثنا عن الانتصارات التي حققتها السعودية على الأرض اليمنية، بالرغم أن العاصمة صنعاء لا زالت حتى كتابة هذه السطور بيد “الحوثي الصالحي” العدو الذي هبت من أجله رياح حزم العاصفة، وسيقول بعضكم أيضاً أن مقالي هذا ما هو إلا ضرب من الخيال، ولم يتم بناء الإحباط والخيبة السعودية على دلائل أكيدة، بالرغم أن مجتهد المغرد الشهير الذي تصح معظم نبوءات تغريداته قال، وبالحرف الواحد أن خسائر الجيش السعودي وصلت إلى 2000 قتيل، و4850 جريحا، بالإضافة إلى تدمير أو تعطيل 450 دبابة ومدرعة، و 4 طائرات أباتشي، وطائرة إف 15، وتدمير 3 زوارق، وإصابة 2، كما كشف مجتهد أن تكلفة الحرب 200 مليار ريال، أي بتكلفة 750 مليون ريال يومياً!
لا نشكك هنا بأخلاق الشعب السعودي، ونعلم أن غالبيته ربما لا يؤيد الحرب على الأشقاء في اليمن وإن اختلفت طائفتهم، وتطلعاتهم، وتوجهاتهم عنهم منذ اليوم الأول لانطلاق العاصفة الحازمة، ونعلم أن قرارات الحرب والسلم، ليس للشعوب يد ولا حيلة فيها، سوى أنهم يقتلون ويذبحون فيها، سواء كانوا مع الظالم أو المظلوم، لكننا نعلم أن هناك “هبة” شعبية للمصالح، وإن بالتدريج وعلى مراحل، لا بد لها أن تنطلق في الداخل السعودي على وقع اشتداد “القصف” الاقتصادي والدموي الذي يتعرض له “شعب النفط”، جراء إدخاله بحروب لا تعنيه، لتحقيق مصالح لا تغينه هذا إن تم تحقيقها!
برأينا مصفقو الداخل الذين راهن عليهم النظام السعودي لحزمه، سيتساقطون واحداً تلو الآخر، ودائماً كما علمنا التاريخ عندما تبدأ الجبهة الداخلية بالنقر على غير أوتار الحاكم المفضلة، تبدأ رياح التغيير بالعزف منفردة، هناك في السعودية بدأت الرفاهية “بحزم” أمتعتها، وحل “التقشف” ضيفاً ثقيلاً، وهناك بدأ الجميع يدرك ذلك دون استثناء، فلا بد من قرار عكسي “حازم” حكيم قد يصلح ما أتلفته رياح العاصفة، صحيح أن “المكسور” لا يمكن جمع أجزائه، لكن يمكن تفادي منثور آلامه، وكما قال أبو العلاء المعري “أرى العنقاء تكبر أن تصادا، فعاند من تطيق له عنادا”!