زوارق الموت.. للروائي السنغالي عمر لي ، تجربة نفسيةومعرفية تستحق /مصطفى لوح

22 فبراير, 2024 - 21:14

منذ أسابيع وأنا أتفادى قراءة المراجعات التي كُتبتْ حول (زوارق الموت)، ذلك أني لا أحبذ أن يقوم القُرّاءُ بحَرْقِ أحداث الرواية لي، أو يفسدوا عليَّ متعة المفاجآت التي يخبؤها لي كاتب مثل عُمَر لِي.
لذلك قررت أن أكتشف الرواية قبل التأثر بانطباعات الآخرين، وفعلا لم يخب ظني بهذا الروائي الجميل، ازداد إعجابي بقلمه، واندهشت بعمله الأدبي الفريد، كان موفقا جدا في جميع النواحي، مثل الحبكة المتقنة، والشخوص وسيكولوجياتهم، والحوارات العميقة، والرسائل المضمنة فيها…
وبالرغم من أن العنوان يشي بالسيناريو المنتظر ممن يكتب عن هذه المأساة؛ فإن كاتبنا استطاع أن يبدع حبكة روائية قوية ومتقنة تخالف توقعات القارئ، كما تمكن من السيطرة على شخوص الرواية وعلى أدوارهم وقصصهم.
ولا أخفيكم أني في البداية لما رأيت أنه اتخذ أسلوب الحكاية (حيث البطل يحكي الأحداث) خشيت عليه أن يحدث له ما يحدث لكثير من الرواؤيين؛ وهو أن يسندوا إلى البطل قدرات أو يصفوه بصفات تتناقض مع سيرته ومسيرته، وقد نجح كاتبنا في هذا عندما قدم إلينا بطلا كَوَّنَ نفسه من خلال القراءة والكتابة، فأصبح عميقا قادرا على قراءة نفسيات الآخرين، قدم إلينا بطلا ذا تجارب حقيقية، عرك الحياة وعركته في مغامرات السجن، ومخالطة بائعي المخدرات، والعمل في المناجم…

لا أريد أن أكتب مراجعة عامة عن الرواية، لكني أود فقط أن أسجل هنا أن الكاتب عمر لي لم يكن يصور هذه المأساة الإنسانية فحسب، ولم يكن يقدم إلينا رؤيته النقدية لبعض جوانب المجتمع السنغالي فقط، وإنما كان أيضا يمرر فلسفته ونظرته للحياة من خلال تسريب شخصيته -قصدا- إلى البطل وإلى جميع شخوص الرواية. نعم، من يعرف عمر لي (الكاتب) وولعه بتحقيق (أسطورته الشخصية)، وإيمانه (بالتكوين الذاتي)، ورفضه (الاعتماد الكلي على ما تقدمه المدرسة)، وإعجابه بـ(مالكوم إكس)، وموقفه من (التهرب من المسؤولية الشخصية وإسناد الأخطاء والمشكلات إلى الآخر)، بل حتى علاقته الفكرية والأدبية ببعض الروايات مثل (العمى) لساراماغو، و(الرسالة الطويلة جدا) لمريام باه… من يعرف عمر هذا ويقرأ (زوارق الموت) سيدرك حقا أن هذا العمل أكبر من مجرد رواية ماتعة، وإنما تجربة نفسية ومعرفية تستحق أكثر من قراءة.
شكرا أبا ورش على هذه التحفة الرائعة، نرجو لك مزيدا من الإنجازات العظيمة.

 

إضافة تعليق جديد