سحبت باريس من شوارعها حلتها المضرجة بدماء ابريائها بعد ان نكّست اعلامها وانتهت ايام عزائها. وعادت إلى حياتها وعادت حليمتُها إلى عادتها في التنكر لحيائها مُحاولة بذلك ان تقنع المتعاطفين معها في مُصابها والشامتين لها فيما بها جميعاً انها قادرة على امتصاص أزماتها.
وثلاثة ايام من الهجوم يعلنُ الرئيس الفرنسي في خطابه امام الجمعية العامة للبرلمان ومجلس الشيوخ في دورة طارئة تنعقد للتعبير عن الوحدة، عن فشل فرنسا ولو موقتا في حربها على الإرهاب. "حربٌ لا ينتظر منها – حسب دعواهُ - ان تكون حربا حضارية لأن العدو فيها لا حضارة له"، مُتجاهلا سيادته ان من عليه الدائرة فيها اليوم – فرنسا- تنكرت لمفاهيمها الحضارية واظلمت جانبا مهما من مساحة النور الحضاري الذي كان لها الفضل في إشعال جذوته الأولى لإسعاد الإنسانية.
ومما يُعبر عن فشل فرنسا على الرغم عن تظاهرها بالشفاء لجوء اكبر رأس فيهاللدعوة إلى تعديل اقدس وثيقة عرفتها قوانين حريات الحضارة الحديثة وهي وثيقة الدستور الفرنسي .
وهو تعديل قد تتضرر منه اجيال من احفاد المُهاجرين المسلمين إلى فرنسا ممن ولدوا على التراب الفرنسي ويحملون الجنسية الفرنسية لانهم قد يكونوا معرضين للترحيل إلى "لا وطن" إذ لا وطن لهم خارج فرنسا...
وبغض النظر عن طبيعة ردود فعل المُشرِّع الفرنسي وقبول الشارع الفرنسي ورفضه لمثل هذا التعديل، يظل مُجرّدُ التفكير فيه وطرحه على طاولة المفاوضاتتعبيرا صارخا عن انتصار داعش في هجماتها التى لم تقتصر على قتل الأبرياء فقط بل قتلت ثقة الفرنسيين في قواعدهم الدستورية بحجة ان مقاصدها ما عادت تتلاءم مع متطلبات الرد على الإرهاب.
ومما يُعبر ايضا عن فشل فرنسا استغاثة رئيسها بالمنظمة الأروبية ومنظمة شمالي الأطلسي يذكرها باحترام بنود المعاهدتين التين تقضيان بمد يد المساعدة العسكرية إلى أي عضو من اعضائها في حال تعرضه لأي هجوم عسكري.
وينضاف إلى ذلك انكسار إباء فرنسا امام نجدتها بالولايات المتحدة المتحزبة معها اصلا في خندق ما يُسميانه بمحاربة مواقع الإرهاب والدعوةُ إلى انعقاد دورة طارئة لمجلس الأمن، ثم التنازلُ عن موقفها من الرئيس بشار الأسد تحت إكراهات شروط رأس الكرملين، حتى يفيد إلى جانبه بقدراته في الميدان لاذلالعدو اذلهما على التوالى وكبدهما خسارة ما يزيد على 350 من الأرواح البشرية في اقل من اسبوعين...
وريثما ينتصر هؤلاء وألائك لصريخها، تكثف فرنسا من ضرباتها الجوية لمواقع داعش على زعمها معززة قوتها في المنطقة بأحدى اكبر ترسانات حربية تملكها مؤكدة للعام كله انه لا حل للأزمة خارج لغة الحرب. فإلى متى هذا العناد؟ ومتى ستكتشف فرنسا وحلفاؤها ان اساليبهم في التعامل مع هذه الجماعات لا يجلب إلا الضرر لابريائهم وابرياء المسلمين انفسهم؟ ام انهم "لم يأتهم نبأُ الذين طغوا في البلاد" بلاد جمهورية مالى اليوم؟
بقلم محمد ولد أبَّ
أدمنتن، كنــــــــــدا