هناك حكمة غربية جميلة تقول ” إنه يجب عليك دائما التوقف عن محاربة ما يستحيل تغييره” ، لذالك أيضا كمسلم وكعربي يجب عليك أيضا أن نتوقف عن محاربة ما يستحيل تغييره، إنه ببساطة عليك أن تتوقف عن السعي المستمر في الشرح والتوضيح في كل مرة ومناسبة لكي يصدق الآخر في الغرب ألا علاقة بين الإسلام أو المسلمين وبين الإرهاب، أو يغير من تلك الصورة النمطية الخاطئة والمغلوطة.
صحيح أن الغربيين متضررين فعلا ومهددين في حياتهم وفي طريقة ونمط عيشهم بسبب تلك العصابات الإجرامية التي تتحرك بمنطق ديني إسلامي، لكن الصحيح أيضا أن المسلمين هم الأكثر تضررا من غيرهم منها، بدليل أن ما يسقط من القتلى المسلمين بسبب الاعتداءات والتفجيرات من قبل هذه الجماعات أكبر بكثير مما يسقط من غيرهم بسببها، ومع ذلك وفيما يشبه المسلمة الرياضية غير القابلة للتغير في الإعلام الغربي، أصبح الإسلام هو الإرهاب وكل مسلم هو إرهابي .
في الغرب بشكل عام بغض النظر عن البلد أو طبيعة النظام الذي يسود فيه، عليك أن تتأكد من مسألة بالغة الأهمية وذات تأثير عالي، على الأقل لفهم أعمق لكيفية صنع القرار السياسي وأيضا لفهم طبيعة الصراع وحقيقته.
فكما أن للعرب هوس ب”نظرية المؤامرة” لتبرير الفشل والعجز التام عن مجاراة الأمم المتقدمة، فللغرب أيضا نظريته الخاصة، لكن ليس لتبرير العجز أو الفشل، بل على العكس من ذلك ،إنها لإثبات التفوق القيمي والحضاري، نعم نظرية “صراع الحضارات” قد تكون المفسر الواقعي لشكل الصدام الحالي، والذي في حقيقته صدام عن الثقافة والقيم، السعي للتخويف وتقديم صورة مرعبة عن الآخر وثقافته وقيمه ونمط عيشه…، خاصة وأن طريقة تناول الموضوع سياسيا وإعلاميا ليست بريئة بالمرة ومصرة على أن تبرز الوجه القبيح فقط للمسلمين.
في الغرب ثمة شبكة من التيارات اليمينية والمحافظة بالخصوص، تتواجد في كل الدول تقريبا، تملك المال والنفوذ وهي من تصنع القرار السياسي الحقيقي، كما أنها هي من يصنع ويوجه الرأي العام لأنها هي من يملك الإعلام ومؤسساته الضخمة، هذه الشبكة هي تلقائيا وبشكل غير قابل للتغير حاليا، هي في حرب وصراع مفتوح مع أي شيء اسمه حضارة أو ثقافة عربية وإسلامية.
هذه ليست ادعاءات أو أفكار من الخيال، لأنه ببساطة هكذا نظر أصحاب نظرية “صراع الحضارات”، فمراكز صنع القرار الحقيقية هي مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجة، وتوصياتها هي من تعتمد وتطبق على ارض الواقع، وما خطط له بعد نهاية الحرب الباردة هو ما ينفذ فيه حاليا.
فمن بديهيات السياسة، أنت دائما بحاجة إلى دائمة لعدو خارجي، والأحسن أن يكون ذلك العدو قويا وشرسا لكي يكون ذو فائدة أكبر، وبما أن النموذج الشيوعي تعرض للانهيار، كان النموذج الإسلامي هو الأمثل لتعويضه، وبما أنه لا يستطيع الآخر الاعتراف بقوة النموذج الثقافي و القيمي العربي الإسلامي، لكن بالمقابل يمكن الاعتراف بقوة شخصية أو تيار إجرامي محسوب عليه، هو من يكون الذريعة لتبرير السياسات والإجراءات الرد فعلية أمام الرأي العام، على الأقل ليبدو الأمر وكأنه دفاع عن النفس والظهور بمظهر الضحية بدل الجلاد.
ذلك فتلك الشبكة المذكورة سالفا تشتغل في إطار علاقات متشابكة ومتداخلة وعقدة مكونة من صحافيين وكتاب وأكاديميون وفنانون وساسة واقتصاديون وخبراء دعاية وغيرهم…، يرتكز خطابهم التحريضي بدرجة أولى على استشعار الخوف من العربي والمسلم واستدعائه وتعيشه وتعاطيه وجعله واحدا من أهم الطقوس واللوازم المرتبطة بالحياة اليومية للإنسان الغربي. و بها يتم تشكيل وعي الجماهير وفهمهم والتأثير في أفكارهم و ميولاتهم وبالتالي ردة فعلهم، وصورتهم نحو قيم وثقافة العربي والمسلم.
وحتى تلك الأصوات الأخرى المتعقلة و التي تسعى لنفي تلك الصورة النمطية المترسخة ذهنيا في الإعلام الموجه، والتي تسعى للدفاع عن حقيقة الأشياء، فإن تلك الفئة تبقى محدودة التأثير والفاعلية قياسا بحجم تأثير الاتجاه التخويفي،لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، كما أن هذه الفئة في سعيها ذلك للبحث عن الحقيقة وتوضيحها لأبناء نفس الثقافة، فإنه يصبح عرضة للتشهير والحرب الإعلامية والنفسية.
نحن هنا لا نتحدث من فراغ ولم نخترع شيئا من أنفسنا، أو حتى لا يقول أحد أننا أيضا نتخفى وراء نظرية المؤامرة، فهذه الأمور وهذه النظرية الكل كان يعرفها، والكل كان يعرف أنها ستكون الأساس الذي ستبنى عليه السياسة في الغرب بعد سقوط جدار برلين، وبالتالي ما يحدث اليوم ما هو إلا ترجمة وتطبيق عملي لها على أرض الواقع لا أقل ولا أكثر.
وكما أريد له أن يكون تم اتخاذ النموذج القيمي الإسلامي البعبع المثالي للإعلام الغربي، و تم تصوير المسلمين وكأنهم كائنات أخرى أو جنس فضائي، وبذلك أصبحت كل الهجمات وحملات الاسلاموفوبيا جزءا من الروتين اليومي لوسائل الإعلام، وأصبح الهجوم على ذلك النموذج عنصر ضروري للدفاع عن القيم الغربية المهددة من خطر هؤلاء البرابرة الغزاة القادمين من خارج التاريخ و من خارج العالم المتحضر.
أما عن كل تلك الردود من الفعل من قبل بعض العرب والمسلمين، وذلك اللهث نحو تبرئة الذمة، وإعلان التضامن المطلق والرفض الكلي للإرهاب وعمليات التفجير، أو ذلك التودد والحرص على التذكير كل حين ومرة بأن أولائك لا يمثلون الإسلام في شيء، و بأنك معهم وأنك متفق تماما ومتفهم لأي ردة فعل أو إجراءات تقوم بها السلطات المتعرضة للهجوم لحماية أمنها والحرص على تفادي وقوع ذلك مرة ثانية، و لها كامل الحق في ذلك.
كل هذه الأشياء أو حتى أكثر منها فلن تجعل منك لا بطلا ولن تجعل منك بريئا في نظرهم، بل الأكثر من ذلك أنت فقط تثبت وتؤكد التهمة الجاهزة وترسخ لنفس الصورة النمطية المرسومة عنك، والتي تفنن الإعلام في إخراجها بأحسن حلة ممكنة.
فما دمت عربيا و مسلما، فأنت متهم بالضرورة، لا يهم أن تشرب الويسكي أو تغير صورة بروفايلك على الفايس بوك، أن تخرج في مظاهرة منددة، أو تردد كلمات النشيد الفرنسي أو الأمريكي أو غيره وتحفظها عن ظهر قلب، أن تتعرى حتى وتتجرد من كل ثيابك أن تحلف بالمسيح والعذراء وتقبل الصليب أو تقوم بأي مصيبة كيفما كانت لن تجعلك بريء فأنت إرهابي، ببساطة لأنه هو يريد ذلك اللبس والخلط أن يبقى، لأنه هو الهدف الحقيقي لكل ما هو مفتعل .
فالتخويف من العربي والمسلم أصبح جزء من صناعة القرار لدى الساسة الغربيين، فالخوف ببساطة باعتباره احد الروافد الفعالة لتحقيق حياة الرفاهية والأمن، هو باعث على التسلح وباعث على شن الحروب، وباعث على التأهب وفرض الإجراءات الاستثنائية حتى وان كانت على حساب حقوق وحريات المواطن، فالأخير مستعد للتنازل عن أشياء أكبر عندما يتحسس أن أمنه مهدد.
والخوف هو الدافع إلى خلق مزيد من فرص التنمية المرتكزة على بيع -وهم الأمن- عبر المواجهة العسكرية أو احتلال البلدان المصدرة للشر….فالأمن والسلام ليسا مربحين كثيرا لكبريات الشركات ممن تقود العالم كما أن الأمن التام في العادة يجلب المشاكل الداخلية وتجعل الشعب يراقب الأمور الداخلية عن كثب وبدقة قد تكون غير مرغوب فيها من أولئك الأشخاص النافذين.
لكن بما أن الأمر هكذا، وأن تلك الصورة وذلك اللبس لن يزول في ظل هذا الوضع، فلماذا كأضعف الإيمان لا نغير نحن من أنفسنا؟، لماذا لا نتعامل برؤية مختلفة مع تلك الأحداث؟ وبدل أن نستمر في موقف التباكي واللهث الدائم لتقديم الولاء ومنح الشيكات على البياض للآخر ليفعل ما يريد ويطبق سياسته بالطريقة التي يشاء دون أدنى احترام أو اعتبار لتلك المليار والنصف من البشر.
فحتى من طريقة التضامن والشكل المقدم به هناك فرق كبير، فأن تتضامن برأس مرفوعة وبكل إرادة حرة غير خاضعة لأي أملاءات أو سلطة نفسية أو فيزيقية من أي طرف كيفما كان وإنما فقط لأن واجبك كإنسان مؤمن بالاختلاف والحرية يحتم عليك ذلك.
وفرق بين أن تتضامن وأنت خانع تمام الخنوع أو تكون خاضعا ومتوافقا لحد التصفيق لخطاب وصورة منمطة صنعها الإعلام ورسخها في أذهان الرعاع من الناس ضد دين أو فئة أو ثقافة معينة.
عليك أن تفهم أنك لست ملزما أصلا أن تشرح أو تؤكد للآخر ألا علاقة بينك أو بين دينك وما قام بها أشخاص همج و مجرمون هم أقرب للتوحش منه للآدمية ضد أناس أبرياء حملهم حظهم البائس في التوقيت والمكان الخاطئين. أنت بطريقة فعلك تلك وتعامل مع الحدث كمن يتثبت ويقر بتلك التهمة الجاهزة لا يدرؤها.
إذ لماذا عليك أصلا أن تقول “أنا مسلم وأنا لست إرهابي”؟، لماذا يجب أن تخضع وتستسلم بسهولة لذلك الإرهاب النفسي والعنف الرمزي الرهيب للدرجة التي تجعلك خاضعا خانعا للدرجة التي تصبح فيها مثيرا للشفقة لكي يصدقك الآخر أنك بريء من أولئك الأشخاص ومن تلك الأعمال…..
الآخر إذا كان مستعدا لتصديقكم لن يحتاج أصلا إلى تبريراتكم…و إذا لم يكن مستعدا لتصديقك دون الضرورة أصلا للشرح، فتلك مشكلته وليست مشكلتك أنت.
لأنك بهذا حتى وإن لم ترد الحرب فلست أنت من يحدد ذلك، لأنه ببساطة مادام رأسك منحنيا فالآخر هو من سيحدد ذلك من عدمه.
إبراهيم حياني التزروتي