البيانات الجديدة، عن هجرة الكفاءات العلمية السورية، التي تقدر بنحو 17 ألف طبيب غادروا سورية منذ العام 2011، ترسم صورة مأساوية لمستقبل البلد، فالفقد التدريجي للموارد البشرية، سيزيد من الأعباء الاقتصادية على سوريا الغد، جرّاء خروج الكفاءات من الدورة الإنتاجية.
إحصاءات جديدة لنقابة أطباء الأسنان السوريين، كشفت أن عدد الأطباء الذين هاجروا إلى خارج البلاد خلال السنوات الأربع الماضية بلغ 6000 طبيب من أصل 20 ألف طبيب.
وقال نائب نقيب أطباء الأسنان التابعة لنظام الأسد، صفوان القربي، إن النسبة بلغت 30 بالمئة من العدد الإجمالي لافتاً إلى أن أعداد الطبيبات المهاجرات تتساوى مع أعداد الرجال.
وأوضح أن الإناث يحصلن على إذن سفر في حين” معظم الأطباء الذكور هاجروا بطرق غير مشروعة”، وكعادة نظام الأسد في إرجاع حال البلد إلى ” العصابات المسلحة” نجد أن النقابة تسوق الحجة إياها في أن عدداً “لا بأس به من الأطباء هاجروا بسبب التهديدات التي تعرضوا لها من العصابات المسلحة”.
الفاقدالعلمي وصل أيضاً إلى” الزملاء” في نقابة الأطباء، فوفقاً لإحصاءاتها الجديدة بلغ فاقدها من الكوادر الطبية نحو 30 بالمئة أيضاً من عدد الأطباء العاملين في سوريا.
وأعلن نقيب الأطباء عبد القادر حسن، أن عدد الأطباء المهاجرين خارج البلاد “خلال فترة الأزمة” بلغ 11 ألف طبيب من أصل 40 ألفاً. موضحاً أن عدد الأطباء الذين هاجروا منذ بداية 2015 وحتى نهاية أيلول الماضي بلغ 900 طبيباً.
ولفت حسن إلى أن معظم الأطباء الذين هاجروا “هم من الفئات العمرية الشابة، في حين أن معظم الأطباء القدامى بقوا في سوريا”.
وسجلت نقابة الصيادلة العدد الأقل من الكفاءات المهاجرة، بعدد مهاجرين بلغ 372 صيدلياً، وفي حين يرى نقيب الصيادلة محمود الحسن أن” قلة هجرة الصيادلة يدل على أنهم يقفون صفاً واحداً مع الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب”، فيما يرى عدد كبير من المواطنين أن عدوى اللجوء لم تصب قطاع الصيدلة بسبب أن فرص عمل هؤلاء في الخارج تكاد تكون معدومة، يضاف إليها أن الأرباح الفاحشة التي يحققونها، جراء الإرتفاعات المتواترة في أسعار الأدوية تشكل عامل إغراء للبقاء في الداخل.
المغترب السوري، جمال قارصلي، العضو السابق في البرلمان الألماني، يرى أن الأثر الاقتصادي للكفاءات المهنية والعلمية اللاجئة، سينعكس سلبياً على أداء الاقتصاد المحلي، و”ستشعر سوريا بفاقدها البشري، حينما تبدأ مرحلة إعادة الإعمار
ويضيف قارصلي لـ” مدار اليوم” أن كل كفاءة وطنية لاجئة، ستكلف الدولة السورية الكثير من القطع الأجنبي الذي يصرف على الخبراء الأجانب عادة، للتعويض عنها في أعمال إعادة الإعمار المختلفة.
ويعتقد الباحث محمود حمام، أن لجوء الكفاءات يفوّت على خزينة الدولة الكثير من أموال القيم المضافة التي يحققها أصحاب الشهادات في أماكن عملهم، و”يخسرالمجتمع السوري عشرات المليارات من الدولارات مع كل موجة نزوح جديدة، بسبب تصديره لكفاءات جاهزة للعمل بعد أن أنفق عليها الكثير”.
حمام يضيف لـ”مدار اليوم” أن سوريا تشهد أكبر خسارة للرأس المال المعرفي، الذي تعتبره الأدبيات الإقتصادية الحامل الرئيس لإنتاج التنافسية، لافتاً إلى أن الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين، وعدم توفر بيانات دقيقة عن سوياتهم العليمة والمعرفية والمهنية، تَحُول دون إنتاج رقم دقيق للفاقد الإقتصادي الذي يتسرب من سوريا.
وإستشرت حمّى اللجوء في أوساط السوريين بفئاتهم كافة، لدرجة أصبحت تهدد بنية المحتمع السوري برمته، فقد كشف القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، أنّ بين 500-1000 فتى سوري قاصر، يتقدمون يومياً للحصول على إذن سفر، لأن أولياء أمورهم خارج سوريا.
فيما قدرت الإدارة العامة للهجرة والجوازات التابعة لنظام الأسد، أن طلبات جواز السفر خلال 2015، بلغت المليون طلب من الداخل والخارج، وبمعدل 5 آلاف طلب يومياً.
وتأتي دمشق وريفها في المرتبة الأولى، بعدد 360 ألف طلب، وقدّرت الإدارة عدد الأطفال القاصرين، الذين يقوم أولياء أمورهم بالحصول على جواز سفر لهم نحو 40 ألف طفل.
وكانت هيئة “فرونتكس” الأوربية، المعنية بمراقبة الحدود بين دول الإتحاد، أعلنت أن 160 ألف لاجئ سوري، هاجروا إلى أوربا منذ مطلع العام الجاري ولغاية آب، فيما أفادت أرقام مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن عدد السوريين الذي قصدوا أوربا منذ 2011 وحتى آب الماضي وصل إلى 348 ألف لاجئ.
البيانات المتوافرة صدف أنها ترصد حركة لجوء الأطباء، في حين غفلت أو تغافلت نقابات أخرى عن إجراء مسح لتسرب كوادرها العلمية، فالتوقعات القريبة جداً من الواقع تقول بأن سوريا تخسر مورداً أساسياً يتمثل بفقدان القواعد البشرية العلمية والتقنية، وبخسارة الأموال التي أنفقت على تكوين تلك القدرات العلمية.
كيف يمكن العمل على وقف هذا النزف، ومن ثم ّ كيف يمكن إعادة هذه الكفاءات؟ قد تكون الإجابة المباشرة أن تحسن الوضع الأمني والخروج من حالة عدم اليقين السياسي، يمثّل العامل الأول الحاسم في وقف النزف. بعدها على حكومات سوريا المستقبل أن تبرعم لميلاد جديد بين من لم يرجع من اللاجئين وبين الوطن، الذي سيكون له معنى غير الذي ربّونا عليه في ظل”للأبد”.