الجرائم الصهيونية تفضح الغرب والعرب/ عبد الحميد عثماني

12 نوفمبر, 2023 - 21:34

تواصل الآلة الحربية الصهيونية مسلسل الوحشية والإبادة الإنسانية في حق الفلسطينيين بغزّة منذ قرابة 40 يومًا، أمام مرآى ومسمع المجتمع الدولي بكل أعضائه ومؤسساته وأجهزته المختلفة، من دون أن يتمكن أحدٌ من ردع الكيان الإسرائيلي لا بالقوة ولا بالقانون ولا بالأخلاق، طالما هو يحظى بالدعم الأمريكي المطلق.
من المعلوم أن “إسرائيل” منذ تأسست في 1948، بناء على وعد بلفور المشؤوم، وقبلها وعود نابليون بونابرت، ظلت كيانًا مبجّلا لدى قوى الغرب الإمبريالي، وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ليس بفعل تغلغل الأخطبوط اليهودي في المؤسسة السياسية والمالية والإعلامية الغربيّة، كما يظنّ البعض، بل لأنّ زرع الكيان في قلب الأمة العربية جاء في إطار مشروع “الدولة الوظيفيّة” لحماية مصالحه الإستراتيجية بالمنطقة، وعلى رأسها عدم السماح ببروز أي قوى إقليمية، وحراسة مصادر الطاقة العالمية، والتخلّص من عبء الفائض اليهودي عن طريق التهجير إلى فلسطين.
لكن لم يكن متوقعًا، على الأقل في تقديرات الحالمين بخيارات التعايش والسلام والتفاوض والتطبيع، أن يصل الغرب في تحيّزه المطلق للكيان الصهيوني إلى هذا المستوى من الانتهاك الصارخ لكل قواعد القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان، إذ نعيش اليوم المأساة في أبشع تجلياتها والغطرسة العسكرية بشكل غير مسبوق، بقتل الأبرياء والنساء والأطفال والرضّع والنازحين وقصف المشافي والمدارس وقطع الغذاء والدواء والماء، في مشهد مروِّع من جرائم الإبادة، بينما يعطل حلفاء الكيان الغاصب بـ”مجلس الأمن” المزعوم حتى قرارات الإدانة الشكليّة للعدوان، ناهيك عن إصدار قرار بوقف الحرب الجائرة ولو ظرفيّا في صورة هدنة إنسانية لإدخال مساعدات الإغاثة، لأنّ المخطط المتوافَق عليه صهيونيّا وغربيّا هو تصفية القضية الفلسطينية بكل الطرق، ومنها التهجير والسيطرة على ما يتبقّى من القطاع.
إذا كان الاستعمار الفرنسي البشع خلال القرنين الـ19 والـ20 قد كشف حينها زيف شعارات التنوير في العلاقة بالشعوب الأخرى وأوطانها، إذ لم تكن في نظر قادة باريس العسكريين والسياسيين سوى خيرات مسخّرة يجب استغلالها ونهبها ولو بحرمان الإنسان الأصلي من كل شيء وتدجينه دينيّا وثقافيّا ولغويّا لضمان التبعيّة والولاء، فإنّ ممارسات الغرب اليوم نفسها تتكرّر في إهانة العرب والمسلمين وكل المستضعفين في الأرض بالضحك على ذقونهم عبر مؤسسات أمميّة وُجدت لإضفاء الشرعيّة على منطق القوة وتكريس الهيمنة الموروثة عن نتائج “الحرب الأوروبية الثانية”، ولكنها تتستّر وراء حزمة كثيفة من القوانين الدولية التي لا أثر لها في الواقع إلا عندما يتعلق الأمر بمعاقبة الضعفاء والتخلّص من الأعداء.
من يثق من حكام العرب في الأمريكيين والفرنسيين وعموم الغرب، بعد كل ما جرى ويجري منذ عقود، ثم يراهن على دورهم الإيجابي في استعادة جزء من الحق الفلسطيني، فهو خائنٌ علني أو مستتر، وليس مجرد جبان يداهن الأقوياء للحفاظ على عرشه السياسي في سلطة غير شرعيّة.
لقد رفعت جريمة الاحتلال الصهيوني في غزة آخر ورقة توت كانت تواري سوءة النظام الإقليمي العربي الآيل للزوال، فلم يتمكن قادة العرب حتّى من الالتئام الجماعي في قمة جادّة ولا التحرك على الصعيد الدولي للضغط على “إسرائيل” ومن يدعمها، وكيف يحصل ذلك إذا علمنا أنّ أعضاء من الجامعة العربية متواطئون عمليّا مع العدو الصهيوني بذريعة التخلص من المقاومة الفلسطينية؟
طابورٌ آخر محسوب على النخبة المأجورة، تكشّفت حقيقته الانتهازية خلال هذه الأيام، وهم شرذمة من الكتَّاب والأدباء والروائيين المتشدّقين بحمل لواء الحداثة والثقافة والقيم الإنسانية في بلادنا العربية، لا تتجاوز مواقفهم الجرأة في هتك المحظور الديني والاجتماعي، بالولُوغ في وحل المقدّس، للفت نظر الغرب إليهم، لكنهم جبناء مرتزقة أمام الجريمة الإسرائيلية، حيث نراهم لائذين بالصمت المطبق، ضاربين عرض الحائط كل المُثل الزائفة التي تدثرت بها صحائفهم السوداء.
إنّ هؤلاء الروّاد الخونة لأهلهم، لا يلاحقهم خطر البطش الجسدي فيؤثرون السلامة بسكوت الذلّ، لكنهم عبيدٌ صاغرون لشهواتهم الماديّة، إذ يختارون مواقعهم، حيث يكون السخاء المالي المسموم، وطالما أنّ عواصم التطبيع العربي تجود عليهم بالدولار في كل موسم ثقافي ومحفل أدبي، وتضفي عليهم الهالة الإعلامية بالألقاب والجوائز وعضوية لجان المسابقات، فإنهم قد باعوا ضمائرهم في سوق النخاسة.
لا قامات أدبيّة ولا ثقافية ولا إعلامية ولا سياسيّة بعد اليوم إلا بقدر سموّ موقفها وعلوّ صوتها في الانتصار لقضية الأمة المركزية، غير ذلك كلهم أبواق وأقلام تجارة ومراهقين وطابوهات.