ميثاق /"الشروق الجزائرية" ثورة نوفمبر وفلسطين.. ما أُخذ بالقوة لا يُسترجَع إلا بالقوة

1 نوفمبر, 2023 - 19:56

 ميثاق /"الشروق الجزائرية""

الشروق الجزائرية" تقف في ذكراها التاسعة والستين عند معالم الإلهام التحرري

عندما قضت فرنسا على آخر ثورةٍ شعبية في الجزائر في أوائل القرن العشرين، وهي ثورة الشيخ آمود بأقصى الجنوب، اعتقدت أنّ الأمر قد استتبّ لها نهائيا في الجزائر، وأنّ إخماد كلّ هذه الثورات الشعبية بقوة السلاح والقضاء على ملايين الجزائريين، سيُخمِد نهائيا جذوة المقاومة فيهم، ويدفعهم إلى الاستسلام للأمر الواقع ونسيان تحرير وطنهم، والقبول بالاحتلال الفرنسي لبلادهم وكأنّه قدَرٌ نازلٌ لا دافع له.
غير أنّه لم تمرّ سنواتٌ على القضاء على آخر انتفاضةٍ شعبية، حتى بدأ الجزائريون يتجاوزون صدمة فشل ثوراتهم جميعا ويشرعون في نوع آخر من النضال لتحقيق الاستقلال عن فرنسا، وهو النضالُ السياسي، بداية من حفيد الأمير عبد القادر الذي أسّس حزبا لهذا الغرض في 1919، وصولا إلى مصالي الحاج و”نجم شمال إفريقيا”.
وقد ناضل الجزائريون طويلا لتحقيق الاستقلال، بالطرق السياسية والسلمية وحدها، وأسسوا العديد من الأحزاب التي تكفّلت برفع هذا المطلب، وتلقّوا وعدا من فرنسا بمنحهم الاستقلال الكامل إذا هم شاركوا في دحر الغزو الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وشارك فعلا عشرات الآلاف من الجزائريين في هذه الحرب وقُتل منهم الكثيرون، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرج الشعب الجزائري في 8 ماي 1945، للاحتفال بنصر الحلفاء وتذكير فرنسا بوعدها لهم، لكنّها تنكّرت لهم كلّيا، وأقدمت على ارتكاب مجازر رهيبة بحقّهم في قالمة وخراطة وسطيف ذهب ضحيتها 45 ألف جزائري.
إثر هذه المذابح الرهيبة، تيقّن الجزائريون تماما من عقم النضال السياسي، وأنّه يستحيل أن يحقّق لهم مطلبَهم الأساسي وهو الاستقلال، خلافا لما حدث في دول عربية أخرى كسوريا ولبنان وليبيا التي استقلّت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، لأن الاستعمار فيها كان غير استيطاني كما هو الحال في الجزائر التي تعدّها فرنسا “جزءا لا يتجزّأ منها”، وهنا تأكّد المناضلون في الحركة الوطنية الجزائرية أنه لا مناص لهم من اللجوء إلى القوة وتفجير ثورة مسلحة وتقديم تضحيات جسيمة إن هم أرادوا تحرير وطنهم وإنقاذه من الذوبان في فرنسا، وشرعت ثلّة منهم في الإعداد للثورة من خلال تأسيس منظمة سرية وجمع المال والسلاح تمهيدا لتفجيرها حينما يحين الوقتُ المناسب.
في سنة 1954، شعر بعض المناضلين الشباب الذين كانوا يتّقدون حماسا وحيوية، أنّ أوان تفجير الثورة قد حان، لاسيما بعد أن سبقهم التونسيون والمغاربة إليها في بلديهما سنة 1952، وفي غمرة اشتداد الخلافات والصراعات السياسية بين المصاليين والمركزيين، وما أحدثه ذلك من شرخ عميق في الحركة الوطنية، شعر هؤلاء المناضلون المتحمّسون بأنّ “دواء” هذه الصراعات العقيمة هو تفجيرُ الثورة، فاجتمع 22 منهم في المدنية في صيف 1954 وقرّروا تفجيرها، ثم اجتمع القادة الستة التاريخيون وحدّدوا تاريخها وهو 1 نوفمبر 1954.
وبدأت الثورة بنحو 300 مجاهدٍ فقط في جبال الأوراس، لكنها صمدت وتوسّعت حتى شملت معظم أنحاء الوطن بمرور الوقت وانضمّ إليها عشرات الآلاف من الجزائريين، واحتضنها الشعبُ برمّته عدا عدد قليل من الخونة، وحاول الجيشُ الفرنسي المدجَّج بالدبابات والمدفعية والطائرات الحربية، القضاء عليها منذ أيامها الأولى، وحاول عزل المجاهدين عن الشعب من خلال وضع الجزائريين في قرى محاطة بأسلاك شائكة، وارتكب مجازرَ فظيعة بحقّ السكان، ودمّر نحو 8 آلاف قرية ودشرة، واستعمل أسلحة محظورة لحرق الجزائريين ومنها النابالم، ولم يفرّق بين مدني وحاملِ سلاح، لكنّ الشعب صمد والتفّ حول ثورته وساند المجاهدين إلى آخر لحظة ولم يتخلّ عنهم، كما ساندهم بمظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي جعلت دوغول يقول كلمته الشهيرة: “لقد فهمتكم”، وبعدها جاء النصرُ التاريخي والاستقلال.
ما حدث خلال 7 سنوات من الثورة الجزائرية، من قتل وتدمير ومجازر وأهوال، يحدث الآن في غزة، الإجرامُ نفسه يتكرّر، ومحاولات إخماد ثورة الفلسطينية لا تفتر… لكننا نؤمن بأنّ النتيجة واحدة، وهي دحرُ الاحتلال الصهيوني عن أرض فلسطين مهما طال الزمن، كما دُحر الاحتلالُ الفرنسي عن الجزائر بعد 132 سنة كاملة، وكما غنِم الجزائريون بيوتَ مليون معمّر فرنسي وأوربي، فسيغنم الفلسطينيون مستوطنات الصهاينة. وما النصرُ إلا صبرُ ساعة.
وفي الذكرى التاسعة والستين لثورة الجزائر المظفرة، تقف “الشروق” مع نخبة من المختصين وكبار الكتاب والمناضلين العرب في سبيل القضية الفلسطينية، عند معالم الإلهام الجزائري التحرري للأشقاء في المقاومة الفلسطينية الباسلة، لترسم مجددا طريق الكفاح المخضب بالدماء الزاكيات منذ فجر التاريخ، ولا خيار سواه حاضرا ومستقبلا لاستعادة الأرض والذود عن العرض الوطني.