يبدو أن زمن الحرب الصهيونية العالمية، على غزة سيطول، وسيسلك منعرجات لا أحد يتصوّرها، بما في ذلك قادة هذه الحرب من صهاينة وأمريكان، وبقدر الحقد الذي يملأ قلوب الظالمين بقدر الرعب الذي يسكن قلوبهم ويُفقدهم البوصلة، وهم إلى غاية نهاية شهر أكتوبر، لم يردُّوا عسكريا على الذين هزموهم في السابع من أكتوبر.
وخلال هذا الزمن الرمادي سقطت الكثير من الأقنعة وربما جميعًا. وفي المقابل حدثت خرجتان من رئيسي تركيا وإيران، كانتا كافيتين لتقدِّما أمَّتين إسلاميتين منحتا للمقاومين الاطمئنان، بعد أن وصفهم البعض من بني جلدتهم بـ”الإرهابيين”.
عندما يعلن الرئيسُ التركي أمام العالم، بأنَّ حماس حركة مقاوِمة للاحتلال وما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، هو جريمة حرب يجب أن تعاقَب عليها، فإن كل المواثيق العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية التي جمعت منذ عقود بين الصهاينة والأتراك، هي مجرد “مشاعر” مزيَّفة لا صدق فيها، وإذا كنا نجد بعض الأعذار لتركيا بتواصل علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل ضمن الإرث العلماني الذي ورثته، فإن الأجدر بالصهاينة أن يتأكدوا بما لا يدع مجالا للشك، من مدى الكره إلى درجة الاحتقار الذي يكنّه الأتراكُ لهم، مثل كل الشعوب العربية، فهم يتحدثون عن حرب وُجودية والرئيس التركي يصفهم بمجرمي حرب.
وعندما يرفض الرئيس الإيراني الاعتراف بوجود “إسرائيل” ولا يسمِّي كيانها إلا “الصهيوني”، ويعترف بدعمه المعنوي للفصائل الفلسطينية المجاهدة، فهذا يعني أن إسرائيل التي أمضت منذ 1948 ما لا يقل عن 75 سنة في حروب صهيونية عربية، عليها أن تنتظر سنوات أخرى قد تعيش فيها حروبا صهيونية تركية أو صهيونية فارسية.
هناك من يظنُّ بأن إسرائيل حققت في السنوات الأخيرة انتصارات على المستوى العالمي، وتمكنت من التطبيع مع دول عربية مترامية في قلب الخليج وفي المحيط، لكن ما زرعته من دمار وجبروت، ستحصده قريبا بنهاية مأساوية ستنسف كيانها، فلا طاغية ولا ظالم خلًد في التاريخ.
خلال الحروب العربية الكلاسيكية من نكبة 1948 إلى العبور 1973، ومرورا بالعدوان الثلاثي على مصر 1956 ونكسة 1967 وحرب الاستنزاف، كان الطرف المدافع على الحق عربيا بالكامل، وكانت تركيا غارقة في علمانيتها وتودُّدها للغرب بما في ذلك أمريكا وإسرائيل، وكانت إيران تحت سيطرة شاه لا يرى إلا ما تراه أمريكا وطبعا إسرائيل، ولكن الأمور تغيّرت في حروب المقاومة في السنوات الأخيرة، وعلمت إسرائيل، بأنها محاطة بشعوب وقبائل تكنّ لها العداء، وتنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تمسحها من خارطة الشرق الأوسط، وطال الزمن أم قصُر، فستدفع فاتورة مظالمها كاملة من دون نقصان، وكما بدأ الإسلام غريبا فسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء.