أيها الفلسطينيون: لا تُفسدوا انتصاركم التاريخي الكاتب الصحفي /حسين لقرع

18 أكتوبر, 2023 - 11:39

تمرّ القضية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر الجاري بأحلك أيامها منذ نكبة 1948 في ضوء القصف الصهيوني غير المسبوق على غزة، ليلا نهارا، من الجو والبر والبحر، وقطع الماء والغذاء والكهرباء والوقود والدواء عن سكانها، لإجبارهم على الرحيل وتوطينهم في سيناء المصرية، والانفراد بعدها بالمقاومة الفلسطينية والقضاء عليها، ومن ثمة إعادة احتلال القطاع.

وإذا نجح هذا المخططُ الجهنمي للاحتلال، فإنّ القضية الفلسطينية معرَّضة جدّيا للتصفية النهائية؛ ذلك أنّ المقاومة في غزة وحتى بعض مخيّمات الضفة، وفي مقدّمتها جنين ونابلس، هي التي أفسدت هذا المخطط الصهيوني إلى حدّ الساعة، وإذا تمكّن الاحتلالُ من الانفراد بالمقاومة في غزة والقضاء عليها بالقنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات والغازات الكيميائية وغيرها، فسيسهُل عليه لاحقا تصفيتُها في جنين ونابلس، وبعدها لن يكون أمام فلسطينيي الضفة والقدس سوى الرحيل إلى الأردن كما يخطّط الاحتلال، أو الاستسلام له ونسيان حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وقبول العيش على الهامش تحت الهيمنة المطلقة للاحتلال الفاشيّ العنصري.

بهذا الصَّدد، نأمل أن تثبت مصر على موقفها الرافض لتهجير 2.3 مليون فلسطيني إلى صحراء سيناء وتوطينهم هناك، وأن تصمد أمام كلّ الضغوط الأمريكية والأوربية لتحقيق هذا الهدف، فضلا عن الإغراءات الضخمة المقدَّمة لها؛ فوفق ما تسرّب من أنباء فقد عرضت أمريكا وأوربا على مصر مسحَ ديونها الخارجية التي تجاوزت 170 مليار دولار، ومساعداتٍ مالية كبيرة لإنعاش اقتصادِها المتهالك، ومنها حصة معتبرة من 50 مليار دولار كان الرئيسُ الأمريكي السابق دونالد ترامب قد وعد بها مصر ولبنان والأردن، في إطار “صفقة القرن” التي كشف عنها في أواخر جانفي 2020، مقابل توطينٍ نهائي للّاجئين الفلسطينيين ومن ثمة إسقاط “حق العودة”، وقد فشلت “الصفقة” المشؤومة بعد أن رفضها الفلسطينيون ودولُ الجوار، وخسر ترامب بعدها انتخاباتِ الرئاسة ورحل ورحلت معه مبادرتُه، لكنّ ها هم الصهاينة وإدارة بايدن يطرحونها مجددا هذه الأيام، ضمنيًّا، من خلال محاولات ترحيل سكان غزة إلى مصر.

وإذا ضعُفت مصر أمام الإغراءات الأمريكية والغربية وقبلت توطين سكان غزة في سيناء، بتمويلٍ خليجي، فإنّ القرار النهائي بصمودهم على أرضهم مهما كانت الأهوال التي يتعرّضون لها أو الهروب منها وتركِها للصهاينة، سيكون بيدهم وحدهم.

لاشكّ أن هؤلاء السكان يتعرّضون لضغوط جهنَّمية وغير مسبوقة، من خلال القصف الوحشي لبيوتهم وتدمير أحيائهم حتى تصبح غير قابلة للحياة، إضافة إلى تجويعهم وقطع الماء والدواء عنهم، ورفضِ دخول المساعدات الدولية الإنسانية إليهم عبر معبر رفح، وهي كلّها جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانية يرتكبها الاحتلالُ بضوء أخضر أمريكي وأوربي، لكنّ ذلك كلّه لا يبرّر الوقوعَ في الفخّ الصهيوني – الغربي، وترك ديارهم وأراضيهم بغزة، واللجوءَ إلى مصر، فذلك يعني نكبة ثانية لسكان القطاع تفوق نكبة 1948 هذه المرة؛ فحينذاك نزح الكثيرُ منهم من أراضي الداخل إلى مخيّمات النزوح بغزة، ليشكّلوا 70 بالمائة من سكانها، ثم اتّخذوها منطلقا لمقاومة الاحتلال، أمّا هذه المرة فسيتركون فلسطين كلّها ويُساهمون في قتل مقاومتها وتصفية قضيتها، ولن يكون بإمكانهم لاحقًا العودة إلى وطنهم أو إعادة تشكيل المقاومة انطلاقا من سيناء وهم يعيشون تحت سيَّادة مصر التي تقيم علاقات “سلام” مع الاحتلال منذ 1979.

إذن ليس أمام سكان غزة إلا الصمود ورفض المؤامرة الدولية لتهجيرهم، مهما كانت الظروف، حتى يساعدوا المقاومة على الثبات بدورها، ومن ثمّة إفشال تصفية القضية الفلسطينية. لا يمكن للمقاومة أن تحارب وحدها ومن دون أيِّ حاضنةٍ شعبية.. هي مسؤوليةٌ تاريخية جسيمة وخطيرة وامتحانٌ عسيرٌ آخر، وعلى سكان غزة أن يكونوا مجددا في مستوى التحدّيات مثلما كانوا خلال الانتفاضة الثانية التي حرّروا خلالها غزة في أوت 2005، وخلال الحروب السابقة مع الاحتلال و16 سنة من الحصار، ويصمدوا مجددا حتى تضع الحربُ أوزارها وتعود الحياةُ إلى غزة بالتدريج.

أيها الفلسطينيون الأشاوس.. يا شعبَ الجبارين: لا تفرّوا من بيوتكم وتوقّعوا بأنفسكم على نكبة ثانية أشدّ وطأة من نكبة 1948، لقد صنعت لكم المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023 نصرا تاريخيا عظيما سيتردّد صداه قرونا، فلا تُفسدوه كما أفسد الساداتُ نصر 6 أكتوبر 1973 باتفاقية كامب ديفيد المشؤومة.. إذا هاجرتُم فإلى قراكم التي أخرِجتم منها ظلما في 1948 بعد تحريرها كما قال أبو عبيدة.. اثبُتوا مع المقاومة مهما كانت جسامة التضحيات مثلما فعلت شعوبٌ مستعمَرة أخرى قبلكم صمدت وضحّت بالغالي والنفيس حتى انتصرت، والنصرُ صبرُ ساعة.

 

إضافة تعليق جديد