هل الدولة ممكنة فوق أراضي فلسطين؟ /الكاتب الجزائري حسين لقرع

21 سبتمبر, 2023 - 11:04

 

كشف تقريرٌ أعدّه “المكتبُ الفلسطيني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان”، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ عدد المستوطنين الصهاينة في شتى مناطق الضفة الغربية المحتلة قد تضاعف 7 مرات كاملة منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير والاحتلال الصهيوني في سبتمبر 1993 إلى حدّ الساعة؛ إذ بلغ نحو 750 ألف مستوطن موزَّع على 158 مستوطَنة ومئتي بؤرة استيطانية عشوائية.

الأخطر من تضاعفِ عدد المستوطنين بمتواليةٍ هندسية، هو أنّ هذه المستوطنات -حسب تقرير منظمة التحرير- قد التهمت 40 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، وهذا يعني بوضوح تامّ أنّ إمكانية قيام الدولة الفلسطينية على ما تبقى من مساحتها لم يعد أمرا واقعيا، لأنّ هذه المستوطنات فكّكت أوصال الضفة ومنعت الاتصال الجغرافي بين أراضيها، ونذكُر أنّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حينما وضع “صفقة القرن” في أواخر جانفي 2020 لحلّ القضية الفلسطينية، عرض -بإيعاز من نتنياهو- إقامة “دولة” فلسطينية على مناطق متباعدة من الضفة، يمكن ربطها بجسور وأنفاق، على أن تكون هذه “الدولة” أيضا بلا سيادة ولا جيش، ويسيطر الاحتلالُ على حدودها البرية والجوية والبحرية، وهو الاستخفاف الذي دفع، آنذاك، صحيفة عبرية إلى القول إنّ نتنياهو يريد “دولة فلسطينية أضحوكة”.

المشكلة الآن، ليست فيما يخطّط له العدوُّ وما ينفّذه منذ اتفاق أوسلو 1993، بل منذ وعدِ بلفور 1917، فهذا ديدنُ أيِّ استعمارٍ استيطانيّ في العالم، بل تكمن في أنّ تفكير السلطة الفلسطينية لم يتطوّر البتّة؛ فهي بالرغم من تأكّدها أنّ الحكومة الصهيونية الفاشية الحالية التي يصفها الغربيون أنفسهم بأنها الأكثر تطرّفا في التاريخ، لم تعُد تقبل، لا بقيام دولةٍ فلسطينية على حدود 4 جوان 1967 التي تشمل الضفة وغزة والقدس الشرقية، ولا حتى بدولةٍ هزيلة مفكّكة الأوصال تحاصرها المستوطناتُ من كلّ جانب، بل تريد التهامَ الضفة الغربية كلها باعتبارها “يهودا والناصرة”، والتقريرُ ذاته يتحدّث عن التخطيط لتوسيع المستوطنات ورفع عدد المستوطنين إلى مليون خلال السنتين القادمتين فقط، كما تريد هذه الحكومة المتطرفة هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم بدله، وقد شرعت في ذلك من خلال فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد المبارك وتعويد الفلسطينيين عليه، فضلا عن جلب 5 بقرات حمراء من أمريكا تمهيدا لذبحها إيذانا بقرب بداية عملية بناء الهيكل.. السلطة الفلسطينية تعلم هذا كله وأكثر..

لكنّ الغريب أنها لا تغيّر طريقة تعاطيها مع الأحداث ولا ترقى إلى مستوى خطورتها؛ فهي إلى حدّ الساعة ترفض العودة إلى خيار المقاومة المسلحة، أو حتى تفجير انتفاضةٍ ثالثة، وترفض إنهاء اتفاق أوسلو، وعارَ التنسيق الأمني مع الاحتلال ضدّ المقاومة، وسحبَ الاعتراف المجاني بالكيان، وحلَّ السلطة والعودة إلى أحضان الشعبِ المقاوِم، وتتحدّث فقط عن ضرورة “إحياء عملية السلام” و”حلّ الدولتين”، وربما كانت وراء المبادرة العربية – الأوروبية بنيويورك لبعث ماراطون المفاوضات العبثية مجدّدا، ليُجرَّب المجرَّبُ مرة أخرى؟!

ثلاثون سنة، إذن، مرّت على اتفاق أوسلو، وهناك إجماعٌ فلسطيني، من سياسيين وأكاديميين ومحللين وإعلاميين وحتى مواطنين بسطاء، على أنّه كان نكبةً حقيقية في تاريخ فلسطين أشدَّ من نكبة وعد بلفور و1948؛ ففي هذه المرة، ارتضى الفلسطينيون أنفسُهم أن يعترفوا بـ”شرعية” اغتصاب الاحتلال لـ78 بالمائة من أراضيهم المسمّاة “أراضي 1948” ليقيم عليها “دولته” اللقيطة، وبقوا يستجدون هذا الاحتلال الاعترافَ لهم بحق إقامة دولةٍ هزيلة على 22 بالمائة فقط المتبقية من مساحة فلسطين، فيأبى عليهم حتى هذا الفُتات، ويقوم بقضم المزيد منها كل يوم لابتلاعها كلّها في السنوات القادمة، ومن ثمّة، تصفية القضية الفلسطينية برمّتها.

هذه الحقيقة المرّة التي وصل إليها الفلسطينيون بعد 30 سنة من أوسلو وماراطون المفاوضات العبثية، والانقسامات الفلسطينية… هي التي دفعت آلاف الشُّبان في نابلس وجنين وغيرها من مناطق الضفة المحتلة، إلى الثورة على هذا الوضع المأساوي والسعي إلى تغييره قبل ضياع فلسطين كلّها، والمستقبل بيد هؤلاء الشبّان الصناديد الذين وُلدوا بعد أوسلو، كما كان بيد ثلةٍ من الشبان الجزائريين الذين تخطوا صراعات المصاليين والمركزيين وأشعلوها ثورة شعواء تحت أقدام المستعمِر الفرنسي، فتبعهم الشعبُ وقدّم تضحياتٍ جسيمة واستعاد بلاده كلّها وطرد الجيش الفرنسي ومليونَ معمِّر وغنِم مساكنهم وأملاكهم غير المنقولة، وكذلك سيفعل شبابُ جنين ونابلس وبقية أراضي الضفة وفلسطين برمّتها.