الاتحاد في الضرَّاء مُقدّمة للاتحاد في السَّراء/ محمد سليم قلالة استاذ جامعي

14 سبتمبر, 2023 - 12:54

بَيَّنَت كارثة زلزال الحوز بالمغرب، ودمار إعصار درنا بليبيا، أننا كدول مغاربية بحاجة إلى الاتحاد لمواجهة المصائب على الأقل كمقدمة لمواجهة تحديات المستقبل المختلفة.

يتأكد يوما بعد يوم أنه لا يمكن للدول إيجاد حلول لمشكلاتها المختلفة بصفة منفردة، سواء تعلق بالاقتصادية منها أو البيئية أو الصّحية أو الطبيعية.. الاتحادات بين الدول، والتضامن داخل الدولة الواحدة هو وَحدَهُ القادر على توفير الإمكانات البشرية والمادية لمواجهة المصائب والتحديات. ونحن في المنطقة المغاربية أقرب إلى أن نكون مُتَّحِدين مِن أنْ نكون متفرقين لأي سبب من الأسباب.

تتوفر دول الاتحاد المغاربي الخمس على إمكانات هائلة وهي مُجتَمِعة، يمكنها أن تواجه مشكلاتها المُتعلِّقة بالكوارث الطبيعية على الأقل بوسائلها الذاتية وقبل وصول أيِّ مساعدات أجنبية، الحدود مُشتَرَكة والإمكانات مُتكاملة من بشرية ومادية ومالية، قد تصبح أمامها المساعدات والتدخلات الأجنبية مكمّلات للجهد المحلي لا أكثر، سواء تعلق بالجوانب الصحية أو اللوجستيكية المختلفة من غذاء وماء وإيواء… بإمكان الجهود المُشتَرَكة والمنُسَّقة أن تَقينا شر المصائب والكوارث التي كما تعرّضت لها بصفة متزامنة تقريبا كل من المغرب وليبيا يمكن أن تتعرض لها أيُّ دولة أخرى بصفة مُنفرِدة، وقد حدث ذلك في السنوات والعقود الماضية.

لذلك، فإن التفكير في إنشاء مؤسسات اتحادية للإنقاذ والتدخل أثناء الكوارث يُعَدُّ الحد الأدنى الذي يمكن الاتفاق بشأنه لتفعيل الاتحاد المغاربي، قبل أي حديث عن تفعيل باقي المؤسسات. إن وجود مثل هذه الهيأة التي تكون الضامنة للحد الأدنى من التضامن بين دول المنطقة من شأنه أن يجعل التعاون سريعا وأكثر فعالية وأكثر نجاعة. لن تنتظر هذه الهيأة الحكومات لتضبط مخططات التدخل، ولن تحتاج إلى انتظار الساعات والأيام لِتَتَّخِذ القرارات المناسبة. الجميع يعرف أن الساعات الأولى للكوارث حاسمة في زيادة عدد الخسائر أو التقليص منها. مثل هذه الهيأة التي تكون في حالة يقظة مستمرة يمكنها تفعيل مخططات التدخل المُعَدَّة سلفا وبصفة استباقية، خلال الدقائق الأولى من حلول الكارثة. هل هذا أمرٌ صعبُ المنال؟

لقد أنشأ الاتحاد الأوروبي في سنة 2001 آلية أسْماها (MEPC) (آلية الحماية المدنية للاتحاد الأوروبي) تشكلت من دول الاتحاد الـ27 إضافة إلى دول تسع أخرى مشاركة هي (ألبانيا، البوسنة، إيسلندا، الجبل الأسود، النرويج، صربيا، مقدونيا، تركيا، أوكرانيا في الفترة الأخيرة). ولم تكتف هذه الآلية بالمسائل المُخوَّلَة لها كتمويل مركز تنسيق العمليات العاجلة وإرسال ما يلزم من معدات ومساعدات مُتنوعة، بل جعلت نفسها  الهيأة الأوروبية المُوَحَّدة لمساعدة الآخرين خارج دول الاتحاد.

ما أحوجنا كمغاربة أن نبدأ من حيث انتهوا، لعلنا نصل إلى بناء اتحاد شبه اندماجي مثل الاتحاد الأوروبي ذات يوم، ونُوجِدْ له هيآتٍ تنتقل إلى مساعدة أشقائنا في إفريقيا جنوب الصحراء وباقي أنحاء العالم.

إننا لا نشك أن كل الشروط متوفرة لمثل هذا العمل الإنساني الذي يُوَحِّد جهود الحكومات والشعوب ويتطلع لمطلب جماهيري لطالما عَبَّر عنه الناس بأننا أمة واحدة، جسد واحد، إذا ما أصيب منه عضو تَداعى له باقي الجسد بالسَّهر والحُمَّى.

لا ينتابنا أدنى شك أن جميع أبناء المنطقة، ويمتد هذا أبعد إلى الأمتين العربية والإسلامية وباقي شعوب العالم، يتقاسمون الإحساس ذاته بأن بعضنا في حاجة إلى البعض الآخر.. وأن بعضنا يُكمِّل البعض.. لماذا لا نفعلها ونبدأ في التضامن في الضراء اليوم لنتضامن غدا في السراء؟