مِنَ الهرولة إلى التآمر /الكاتب الجزائري عمار يزل

12 سبتمبر, 2023 - 08:30
الكاتب الجزائري عمار يزل

الانجرار نحو ما يسمّى التطبيع مع الكيان الصهيوني، لم يتوقف عند حدود الدعوة إليه ضمن كفر الديانة الإبراهيمية المزعومة، بل تعداه للتبشير به عقيدة ومذهبا ومنهاجا وإيديولوجية، تروِّج لها دويلاتٌ وظيفية في المنطقة العربية بعيدة كل البُعد جغرافيًّا عن خط المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، التي تُركت عربيًّا وبضغط دولي، لتصبح القضية برمتها نزاعا داخليا فلسطينيا إسرائيليا، بعد أن كان زمن التحرر الوطني، صراعا عربيا إسرائيليا.

الدويلات الوظيفية التي نشأت من لاشيء غير العدم والنفط، وموقف الشيخ زايد رحمه الله الرائع في توحيد أجزاء وأشتات الجغرافيا القبلية، وجدت نفسها تعوم على بحر من النفط زمن عولمة البترو دولار، دولة تعيش على المال الباطني والعمالة الخارجية والحماية الأمريكية. كل هذا حدث بعد ثورة الخميني بداية من نهاية السبعينيات من القرن الماضي أي في أقل من نصف قرن. مرحلة انتهت فيها اليد الطولى للبيت الشاهنشاهي الذي –للصدفة- انهار في ثلاث عواصم كانت كلها تتبع واشنطن وقتها: طهران والرباط والقاهرة زمن السّادات.

المغرب كان أول من استقبل الشاه المنهار نظامه على يد المد الشيعي الإسلامي، مما جعل الدويلات القريبة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية المعلنة، تفزع إلى عدها وعتادها الأمريكي والنفطي لإرباك التحول السياسي والاقتصادي النفطي، الذي بدأ مع مصدق وثورته النفطية.

بدأت تتشكل تباعا دولٌ وظيفية بالمنطقة خدمة لأمن الخليج ظاهريا، بإيعاز غربي أمريكي والذي صار يعني في عقيدة المنطقة العربية ككل “محاربة توسع النفوذ الشيعي في المنطقة”، وصارت إيران خصما رسميا، بل وعدوا قبل العدو الإسرائيلي. هذا الأخير الذي سيصبح فيما بعد الصديق والحليف لدى بعض الدول التي راعها التحول في المنطقة بعد ما هدد المصالح النفطية للغرب الجماعي والأمريكان على وجه الخصوص.

الآن وقد استفاقت بعض منها من حلم الدور الأمريكي الضامن الوحيد لأمنها الداخلي والجماعي، ورأت بأم أعينها تذبذب الموقف الأمريكي من قضايا الخليج ودول المنطقة حسب التغيرات السياسية في الداخل الأمريكي بين جمهوريين وديمقراطيين، لم يعد الضمان مضمونا أمريكيا ولا حتى إسرائيليا باعتباره هو الآخر كيانا وظيفيّا. وأمام التقارب السعودي الإيراني، لم يعد الضمان مضمونا من طرف الغرب الجماعي الأمريكي الأوروبي الإسرائيلي، بعد دخول قوى عالمية مناهضة لهيمنة القطبية الأحادية، صار التطبيع الذي يسوِّق له عرّابُه الغربي وعرابوه من العرب، يمثل معول هدم في يد البعض ممن لا يزالون يحلمون وهما، ببقاء كرسي العرش محمولا على أكتاف عدو الأمة المغتصب لأرض فلسطين وقدس الأقداس، ينفثون بالمال النفطي المكدس من أجل فرض واقع جغرافي وسياسي وعقائدي جديد في كافة المناطق والبلدان العربية والإفريقية المجاورة للخليج وفلسطين المحتلة لإدخالها في فضاء التبعية لملة ونحلة الإبراهيمية المزعومة، طمعا في دور ريادي ينافس الدور السعودي والمصري والجزائري، مستغلة الفقر الاقتصادي والضعف السياسي والهشاشة الاجتماعية في بعض دول المنطقة للابتزاز والتحالف المريب الذي يصل أحيانا إلى التآمر والغدر بالأخ عن طريق التعاون مع الأخ الثاني والعدو الأول.

هذا ما تعمل الجزائر دبلوماسيا على التعامل معه وتفكيك حياكة نسيج نوله لدى هذه الدول والقوى العاملة على تفكيك الأمة العربية والإفريقية لصالح عدو خارجي مغتصِب محتل ومجرم وفاشي بكل المقاييس والمعايير.

مخطط فاشل بالتأكيد، لأنك كبلد بلا شعب، فضلا عن شعب مؤيد، لا يمكنك بمال الريع أن توجه سفن الريح. المال وحده لن يغير مواقف بلدان الرجال والشعوب التي لم تعرف يوما، عبر قرون من تاريخها، غير التضحيات سبيلا لضمان استقلالها وأمنها وسيادتها.