قديما قال الإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه ولسانه: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، ويبدو أن من يستحق القتل، ليس الفقر، وإنما المتسبب في فقر الآخرين، مع سبق إصرار وترصد، كما حدث للكثير من الشعوب الإفريقية، التي وجدت نفسها تحمل من دون أن تدري، “كروموزوما وهميا” للفقر، يتبعها من المهد إلى اللحد.
قد يكون النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو الحالي من أجرإ رؤساء القارة الإفريقية ومنطقة الساحل، عندما وضع يده على الجرح وصاح في وجه حكام أوربيين غير عادلين، حين قال في القمة الروسية الإفريقية، وكرّرها في مناسبة محلية، أمام شعبه، بأنه يرفض أن يكون الفقر صفة لشعوب القارة، “ليس قدرنا أن نعبر البحر من أجل أن نعيش”، وإذا كان الرجل قد تحدث لمدة تزيد عن الساعة عما اقترفته فرنسا في حق الشعوب الإفريقية، التي مات بعضها جوعا وبعضها بحروب أهلية طاحنة، فقد عاشت شعوبا لا تملك من الثروات شيئا، بذخا لا مثيل له.
يقال بأن أكثر من ثلاثين انقلابا حدث في الفترة الأخيرة في القارة السمراء، ويقال أيضا بأن اليد الأوروبية وخاصة الفرنسية هي من حركتها، وفرنسا نفسها كوّنت الكثير من المرتزقة من أبنائها لأجل تجويع إفريقيا ومنهم “بوب دينار” الذي عاث انقلابات وحروب أهلية في القارة السمراء، من الكونغو الديموقراطية إلى كينيا وأنغولا وجنوب إفريقيا، وجزر القمر، وعندما تم القبض عليه ومحاكمته، دعمته فرنسا بكل الطرق غير القانونية واستخرجت له شهادة مرضية زعمت فيها بأنه مريض بالزهايمر، وأنجته من دفع دية، ما لا يقل عن نصف مليون قتيل في القارة الإفريقية بسبب الفتن التي زرعها بين الشعوب وبين الشعب الواحد بأمر من بلاده.
كان الأفارقة على علم بأن سبب فقرهم ونقص حيلتهم، هو الاستعمار الأوروبي الجديد، الذي داوم على استعمال “التيلي كوموند” عن بُعد، لتحريك من يراهم مجرد دمى سوداء، لا يرتقون حتى لمستوى دمية “باربي”، ولكنهم في الفترة الأخيرة باشروا نهضتهم، وظهرت بعض الشعوب الإفريقية في بورندي وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، من آمنت بإمكانياتها، وبأنها لا تختلف عن ذاك الأوروبي، الذي صدّق فعلا بأنه ينتمي لشعب الله المختار، كما باشرت شعوب الساحل الإفريقي في إطلاق صيحاتها لأجل الحرية الحقيقية التي تبعد أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص عن مراكز التفكير الإفريقية.
الفرنسيون الذين تغنوا دائما بشعارهم الثلاثي المنادي بالمساواة والأخوة والحرية، كانوا دائما سباقين في طرح الأسئلة وفي الإجابة أيضا، ولكنهم الآن عاجزون عن الإجابة عن سبب تدخلهم في نيجر، بلاد لا تجمعهم بها أي صلة، وتبعد عن بلادهم ببحر وقارة ورمال وجثث؟