ميثاق/و.م.أ
ينتظر سكان شنقيط وأصحاب النخيل ومن اعتادوا “الكيطنة” في هذه المدينة التاريخية من أبنائها المقيمين خارجها أو من عموم مواطني البلد، بفارغ الصبر هذا الموسم السنوي الخاص.
موسم “الكيطنة” هو موسم جني التمور ويكون وقته المختار عادة من خواتم فصل الصيف إلى مبتدإ فصل الخريف، ويستمر عادة قرابة الشهرين.
للكيطنة أبعاد متعددة، حيث يجتمع فيها الاقتصادي بالثقافي والاجتماعي والصحي، ولا يقتصر النشاط في موسم الكيطنة على الاستمتاع بجني ثمار النخيل والتفنن في اقتناء واختيار الأجود والألذ من أطاييب الرطب فقط، وإنما يعيش أهل الكيطنه أجواء فرح ومرح وتسلية، حيث تتزاور الأسر في جو من الحميمية والتكافل الاجتماعي قل نظيره، إذ تقوم الأسر ميسورة الحال بمنح الأسر المتعففة والضيوف ثمار بعض نخيلها عن طيب خاطر كعادة اجتماعية توارثوها أبا عن جد.
كما يحيي “أهل الكيطنه” أماسي وسهرات فنية ينعشها فنانون ومداحون محليون تمثل تراثا عتيقا تلتقي خلاله كل فئة عمرية على حدة وتتسامر وتتدارس التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الآنية، وتنظم بعض الجمعيات الثقافية مسابقات تدعمها أحيانا شخصيات وازنة وتمول بعضها أحايين أخرى سبيلا لخلق مناخ ثقافي متزن، يساهم في الاستفادة وعدم هدر الوقت في اللهو واللعب غير المرشَّد على حساب التعلم والتعليم، فيكتسي الموسم حلة ثقافية ترفيهية متعددة الأهداف والمقاصد.
كما تنظم على هامش الموسم مسابقات شعرية بالفصحى والعامية يتبارى فيها الأقران والفتيان فيصولون ويجولون ويجودون بأروع ما منحتهم مخيلاتهم، متخذين من اللغة مطية للتواصل بينهم مع الجمهور، تماما كما يفعلوا مع المسابقات الرياضية التقليدية المنشطة للذهن والصحية للجسم كسباق الإبل والجري ولعب ظامت في تناسق وانسجام تام بين الإنسان والطبيعة.
وتسهم الثروة الوطنية من النخيل في شنقيط وغيرها من المدن والمناطق الواحاتية، في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال تلبية طلب الكيطانة في هذا الموسم، بل وتتجاوز ذلك إلى تزويد الأسواق المركزية بمنتوج محلي خالص يحتاجه كل بيت على عموم التراب الوطني، و يوفر على الدولة العملة الصعبة التي تستخدمها في استجلاب التمور الأجنبية، ويسهم كل ذلك في تنشيط الدورة الاقتصادية للبلد، ويساهم في امتصاص البطالة، إذ لا يقتصر نفعه على المنتجين المباشرين فقط وإنما تتعدى الاستفادة منه إلى شبكة من المستفيدين المباشرين وغير المباشرين من مختلف مراحل العملية.
ويبقى البعد الاجتماعي في الكيطنه وما يتركه من أثر في نفوس القادمين والمقيمين وما يساهم به من نشر المودة وتعميق العلاقات الأخوية، من أهم الأبعاد وأكثرها قيمة.
وشهد شاهد من أهلها.
عن موسم “الكيطنة” في شنقيط، ومختلف أبعادها الإيجابية، وما يصاحبها من فعاليات مهمة، تحدث إلينا الأستاذ محمد السالك ولد رمظان، وهو عمدة مساعد لبلدية شنقيط وأحد أبناء المدينة الذين خبروا أمرها، حيث قال بأن شنقيط يأتي إليها المصطافون من أبناء المدينة ومن غيرهم، بهدف الراحة والاستجمام والاستمتاع بموسم “الكيطنة”، وأنه في الأعوام الأخيرة أصبح أهل المدينة المقيمين خارجها وغيرهم من أبناء الوطن يهتمون أكثر بالكيطنة هنا، حتى أن فيهم من اشترى النخيل في شنقيط وأصبح يأتي إليه في هذا الموسم، وهناك من يقيمون عند أقاربهم ومعارفهم، وهناك من يؤجرون المنازل في المدينة ويقيمون فيها طيلة الموسم.
ويضيف السيد محمد السالك، أن “الكيطانة” يبحثون عن التمر وهو في بداية نضجه (البلح) لما له من فوائد غذائية جمة، خاصة على المصابين بالبلغم وأصناف الحموضة، وكل مخلفات الأغذية المعلبة وغير الصحية التي يتناولها الناس طيلة أيام السنة، ويحبذ الناس القدوم إلى عين المكان ليحصلوا على المحصول طازجا، لأن نقله مسافات بعيدة وفي ظروف غير مضبوطة، ربما تفقده بعض خصائصه المهمة ومميزاته المرغوبة.
وفي مدينة شنقيط يقول السيد ولد رمظان، إن هناك الكثير من أنواع التمر، ومن أشهرها: سَلْمَدِينَة، وهي نخلة عريقة يقول أهل شنقيط إنها قدم بها بعض الحجاج من المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام، وأن أصل التسمية هو سِلَالُ المدينة، ومع مرور الوقت أصبحت سلمدينة. وهناك لَحْمَر، وتيكدرت، و ؤوبَّلْ، وتمْبدَّ، وتِيجِبْ، وآبُجَيْرَه، (تسمى نخلة العيال) حيث يتم استعمالها بلحا طازجا، كما يتم الإدخار منها تمرا ناضجا، والفالحة، وهي نخلة شهيرة سبقت سلمدينة، والناس يفضلونها بلحا طازجا، وهناك أنواع أخرى كثيرة، وفي العقدين الأخيرين يقول السيد محمد السالك، تم استقدام النخل الذي ينتج التمر الذي يسمى “بَلْحِي” من الإمارات العربية المتحدة، وغرسه هنا في شنقيط، وهو نوعية جيدة.
وبخصوص الأنشطة الثقافية والشبابية والرياضية التي تكثر في شنقيط، على هامش موسم الكيطنة وعودة الأهالي الصيفية إليها، يقول السيد محمد السالك، أن هذه الأنشطة تكثر في هذا الموسم، لأن شباب المدينة، من طلاب الجامعات والمعاهد وتلامذة الثانويات، يعودون إليها في هذا الموسم، وهم من ينعشون هذه الأنشطة مع إخوتهم الشباب المقيمين في المدينة، ونحن الآن نتابع الأنشطة الثقافية والترفيهية والفنية كل مساء تقريبا على خشبة مسرح دار الشباب في المدينة، وحين يهدأ الليل تكون هناك سهرات المديح وجلسات “أشوار الظل” في “البطحة” أو في بهو أحد المنازل، هذا بالإضافة إلى بطولات كرة القدم وغير ذلك من المسابقات الثقافية والرياضية والشبابية التي تتم برعاية من مفتشية الثقافة والشباب ومن بعض رجال الأعمال و أبناء المدينة وبناتها.
أما السيد عبد الله أحمد سيد أحمد، وهو قادم إلى شنقيط من نواكشوط، فيقول بأنه استمتع كثيرا بأجواء الكيطنة في هذه المدينة التاريخية التي يزورها لأول مرة، قائلا أنه يُقَسِّم وقته بين المكوث في الواحة وتناول التمر الطازج وبقية لوازم الكيطنة، وبين التجول في معالم المدينة الأثرية التي يسافر الزائر لها عبر الزمن في رحلة مفيدة وشيقة.
وأكد السيد عبد الله، أنه شعر براحة كبيرة منذ أن وطئت قدماه أرض المدينة، مثنيا على كرم وأريحية أهل شنقيط.
–و.م.أ